تجربة أمريكية تعيش في بيت لحم، فلسطين وتصفها بِ “الوطن”

تجربة أمريكية تعيش في بيت لحم، فلسطين وتصفها بِ “الوطن”

تجربة أمريكية تعيش في بيت لحم- فلسطين وتصفها بالوطن!

بقلم كيرين كاندل

في كثير من الأحيان عندما أصف مكان عيشي لمعارفي في الوطن في الولايات المتحدة، يفترض الجميع بأنني في إسرائيل. وخلافا للاعتقاد الشائع، فإن بيت لحم تقع فعليا في فلسطين، على بعد خمسة أميال فقط من البلدة القديمة في القدس، وضمن حدود الضفة الغربية في فلسطين.

في وقت متأخر من الليلة الماضية مشيت عائدة إلى بيتي من ضواحي القدس. ما لا يمكن إنكاره هو أن القدس تقع على الجانب الإسرائيلي من الجدار الفاصل الذي يقسم الضفة الغربية عن إسرائيل. قفزت من الحافلة في منطقة خارج مستوطنة تقع على أراض كانت تنتمي إلى أصدقاء لي من بيت ساحور، ومشيت على طول طريق الخليل حتى وصلت إلى حاجز 300، والذي يعبر إلى بيت لحم. سرت من خلال البوابات، وإلى أسفل المنحدر الأسمنتي المتسخ، من ثم إلى منطقة سيارات الأجرة الهادئة الساكنة. سألني البعض من سائقي سيارات الأجرة إذا كنت بحاجة إلى توصيلة، ولكنني رفضت. استمررت سيرا على الأقدام، ومشيت إلى جانب جدار الفصل الشاهق أخطو فوق الزجاج المكسور والقمامة. عندما اقتربت من الشارع الرئيسي، رأيت جنديين إسرائيليين يركزان انتباههما على جانب الطريق مبقين أعينهما مفتوحة على أي نشاط محلي، ثم نظروا في اتجاهي بينما حدقت عيناي بهما طويلا. وبعدما مشيت في زقاق خافت الإضاءة على طول الجدار، سلكت طريقا مختصرة نحو بيتي. نظرت حينها إلى الوراء لأرى إن كان الجنود قد ابتعدوا عن موقعهم حتى لا يروا اتجاه ذهابي. وبينما استدرت مع استدارة الجدار، أصبحتُ حينها بعيدة عن مرمى النظر. سرحت في فكري إلى مكان متناقض حول ما يحدث هنا في بيت لحم. من جهة، عندما عبرت إلى بيت لحم، شعرت على الفور أنني “في وطني” وبأنني قد عدت إلى أمان الألفة والأصدقاء. وفي نفس اللحظة، مشيت إلى جانب جدار الفصل العنصري الوحشي مارة عن الجنود بأسلحتهم الرشاشة، فملأتني الكثير من المشاعر المتضاربة. أعتقد أنه يجب ألا يكون إظهار الصراع الداخلي شيئا مفاجئا عند الذين يعيشون فعليا تحت توتر الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.

كشخص من الغرب يعيش في بيت لحم، وخاصة خلال فترة عيد الميلاد، لا يسعني إلا أن أفكر بأنه ربما لم يتغير الكثير. ففي حين يملك الفلسطينيون مستوى من الفرح العميق والمرونة لم يسبق لي أن رأيته قبلا، هم يدركون معاناة العيش تحت الاحتلال والقهر. وبشكل مشابه لرحلتي الأخيرة التي مشيتها عائدة إلى بيتي من القدس، يكاد الطريق يكون مماثلا للطريق الذي جاء منه يوسف ومريم حينما دخلوا بيت لحم من أجل أمر التعداد الذي صدر عن أوغسطس قيصر، حينما ملأ رحلتهم أيضا مستوى من عدم اليقين. تناقض أكبر بكثير، كما أتصور، قد خيم عليهم بينما دخلوا بيت لحم في ذلك الوقت. وبالتأكيد، ما زال الفلسطينيون الآن أيضا يشعرون بقدر كبير من عدم اليقين فيما يخص هذا السياق الحالي.

ولكن، لقد كان في هذا المكان منذ ألفي سنة، حين سُمع هناك مرة أخرى صوت الطرب وصوت الفرح (أرميا 33: 10-11). في خضم الاحتلال الروماني وصعوبته، وُلد الذي من شأنه أن يجلب الكمال للبشرية جمعاء. لقد كانت ذروة الحكم الروماني أن ثوريا لا مثيل له قد وُلد في قرية صغيرة، ذات إيمان. بينما تربى في مكان متواضع، نما هذا الطفل الصغير ليصبح رجلا والذي، بشكل حدسي، قد قيّد الطريقة التي كانت عليها السلطة. بينما كان قائدا عن طريق الخدمة، وإنهاض المنبوذ، وإعطاء صوت للمهمشين، وواضعا نفسه بالقرب من المحتقرين والمنبوذين من أفراد هذا المجتمع، جلب يسوع الحياة لأولئك الذين قابلهم. في خضم الظلم بكل معانيه، انضم يسوع لأولئك الذين يُعدّون حثالة المجتمع وجلبهم إلى مكان رأوا من خلاله قيمتهم الحقيقة ومعنى الرعاية والاهتمام. جاءت قوة الحياة من خلال إعطاء حياته لضمان أن البشرية قد فهمت أنه يحبهم أكثر من أي شيء آخر. وعلاوة على ذلك، لم يكن ذلك مجرد مصالحة الإنسان مع الله، ولكن مصالحة كل الخليقة مع الله!

كان ذلك الوقت حينما قال النبي ميخا: ” أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمِ أَفْرَاتَةَ، وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا، فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي الَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطًا عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ، مُنْذُ أَيَّامِ الأَزَلِ” (5: 2). وهكذا يبدو كما لو أن الله قد جلب الفداء والخلاص في أماكن غير متوقعة. واليوم في مدينة بيت لحم الصغيرة، لا يزال هناك هذا العطر من الأمل الذي ينبع من قلوب الناس التي تعيش هنا. وفي مواجهة الشدائد، هذه العشيرة الصغيرة من يهوذا، لا تزال تحمل قصة ملكوت الله التي ابتدأت بولادة ملكها يسوع.

تقام الاحتفالات والأسواق والمسيرات لإحياء هذا الوقت من المجيء. حيث تضيء الأضواء والألعاب النارية أنحاء المدينة طوال شهري ديسمبر (كانون الأول) ويناير (كانون الثاني). وتعلو الهتافات والأغاني من الشوارع القديمة بينما يركض الأطفال حاملين البالونات والحلوى. وتدق أجراس الكنيسة، وتغني الجوقات، معلنة اقتراب وقت ميلاد يسوع. ويجتمع المسلمون والمسيحيون في ساحة المهد للاحتفال السنوي بإضاءة الشجرة، بالتصفيق والهتافات البهيجة. ويسير أعضاء الكشافة بينما يعزفون الموسيقى على القرب، والأبواق والطبول، وهم يلوحون بأعلام فلسطين. ويدخل ويخرج السياح والحجاج من مختلف أنحاء العالم من كنيسة المهد، بينما يزدحم شارع المهد بالزوار الجدد.

أقف هنا حاملة بفكري كل هذا. بيت لحم، فلسطين. شاملة سلسلة تبدأ من البؤس وحتى الابتهاج، بيت لحم لا تزال ربما المكان المثالي للاعتراف والاستعداد لملكوت الله. نحن نعيش في هذا الواقع الحالي للظلم والمعارضة، ولكن مع انتظار الأيام سوف نختبر العدالة والبر اللامتناهي. (اشعياء 9: 7) هي بالتأكيد ليست خطأ أو صدفة أن أمير السلام قد ولد في قرية صغيرة طُغت على يد الرومان، واليوم، بغض النظر عن الموقع، فإن أمير السلام ما زال يأتي لأولئك تحت حكم الإمبراطورية لتقديم الحرية التي لا يمكن للسلطات في أيامنا هذه أن تمس بها.