لقد ساهمنا في صناعة مجتمع غير سوي

لقد ساهمنا في صناعة مجتمع غير سوي

لقد ساهمنا في صناعة مجتمع غير سوي

لقد قرأت الكثير من الكتب التي تتكلم عن القيادة، وكنت دائما أتفاجأ بأنها تتكلم بالكامل عن الرجال القادة، بنسبة 90%، وقد تتطرقت إلى ذكر النساء القائدات وكأنهن على هامش السيرة. ومثال بسيط على ما قرأت، كتاب رائع قرأته بعنوان ” قادة يصنعون تغييرًا” وكان يتكلم عن ثلاثة أبطال من الكتاب المقدس يشوع ونحميا ويوسف. لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل الرجال فقط هم الذين يصنعون تغييرًا؟

كنت أتأمل بالآية في سفر التكوين 1: 27 “فخلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه. ذكرًا وأنثى خلقهم.” يا لها من آيه رائعة تظهر كيف أن الله شكّل المرأة والرجل على صورته كشبهه. ونلاحظ هنا أن الوحي ابتدأ يخبرنا بأن الله خلق الإنسان ولم يقل خلق الرجل، فالآية توضح بأن الحديث كان عن الإنسان كجنس وليس كفرد، وهذا الإنسان هو رجل وهو امرأة، فالنظرة للإنسان بجنسه فالرجل إنسان والمرأة إنسان ولا فرق بينهما على الإطلاق من جانب الحقوق أو الواجبات إلا في الناحية البيولوجية ليكملا بعضهما البعض.

فلماذا نهمش المرأة؟ وكيف نسمح لمجتمعنا أن يهمشها؟ والأهم من كل ذلك، هل ساهمنا نحن في تهميشها؟ فالجواب على ذلك في رأيي، نعم، نحن ساهمنا في صناعة هذا المجتمع المتحيز. وسأشرح لكم كيف فعلنا ذلك.

لقد رزقني الله بثلاث بنات رائعات، ودائما فإن صلاتي هي ” يا رب أريد أن تكون بناتي مؤثرات، وأريد أن أراهن يتشكلن على صورتك ومثالك، وأريد أن أرى شخصياتهن شخصيات قوية، لا تهتز في هذا المجتمع المتحيز. وأنا كراعي كنيسة شجعت كثيرات في أن يأخذن أدوارهن في الخدمة وفي التأثير الروحي على الآخرين، وفعلا فقد ابتدأت أرى بناتي يأخذن أدواراً في الكنيسة، فمثلاً: بنتي الكبيرة تعزف موسيقى وبنتي الوسطى تساعد في الاعتناء بالأطفال. لكن ليس هذا ما أقصده فقط، بل أقصد، كيف يمكن أن أنمي فيهم شخصيات قوية في وسط مجتمعنا المتحيز الذي لا ينصف المرأة؟ وأنا أكتب عن بناتي اليوم كمثال لا للحصر، لكن عندي رسالة عن المرأة أريد أن أوجهها للقادة وللرجال وأيضا للنساء.

كيف نحن ساهمنا في صناعة هذا النوع من المجتمع؟

كنت أحاضر مع الشبيبه الناشئة منذ فتره وتكلمت عن جدعون، أحد قضاة شعب اسرائيل في القديم. ورويت لهم قصته كيف ظهر له الله وقال له ” الرب معك يا جبار البأس،،،،، اذهب بقوتك هذه وخلص شعب إسرائيل“. عندها ابتدأ جدعون يتحدث عن ضعفه وعدم إمكانيته أن يعمل هذه المهمة الصعبة، وكان الموضوع الذي تحدثت عنه هو ” كيف يرى الله جدعون كجبار بأس فوكله الله على مهمة كبيرة جدا بالمقارنة مع كيف يرى جدعون نفسه بأنه غير قادر على هذا العمل“. وتكلمت كثيرًا من قصص مختلفة من كلمة الله تتكلم عن نفس هذا المبدأ، كيف يرى الله الإنسان بالمقارنة مع كيف يرى الإنسان نفسه. والفكرة التي كنت أريد أن أقنع الشباب والشابات بها هي “إن الصورة التي ترى نفسك فيها هي نفس الصورة التي تشكّل واقعك“. وهذا موضوع أساسي وجذري في سياق حديثنا. لكن ماذا أريد أن أقول هنا؟ أريد أن أشرح كيف ساهمنا في صناعة مجتمع غير منصف.

إن ما نراه في المرأة اليوم هو ما يراه المجتمع، وليس ما يراه الله، فعندما يقول الله إنه “على صورته خلقهم ذكرًا وأنثى“. نحن ما زلنا نبني سلوكنا وأفكارنا حسب ما يقوله المجتمع عن المرأة وليس بحسب ما يقوله الله، وبناء عليه، نتعامل معها، وبهذا نحن نؤسس فيها الصورة التي يراها المجتمع وليس الصورة التي في فكر الله. وإذا طبقنا المبدأ الذي درسناه” الصورة التي ترى نفسك فيها هي الصورة التي تشكل واقعك” فبذلك نحن نساهم في تشكيل مجتمع غير صحيح، فكل واحد منا له دور. فطريقة تفكيرنا وسلوكنا معها ينطبع في داخلها وفي فكرها، فنحن نقول لها إما بطريقة مقصودة أو غير مقصودة، أنتِ لكِ أدوار معينة، ووظائف معينه وتستطيعين أن تعملي فقط أموراً معينه ولا تستطيعين فعل أمور أخرى. وما هو مسموح لي ليس مسموح لكِ. وعندما ينطبع هذا الفكر فيها وتبدأ هذه الصورة تشكل واقعها وترسم معالم حياتها. فنحن بذلك نكون قد ساهمنا في صناعة هذا النوع من المجتمع.

إن المجتمع الذي لا ينظر إلى المرأة والرجل كمتساويين هو مجتمع غير سوي ومجتمع ضعيف. ولو أخذنا نساء الكتاب المقدس كمثال، فلن نوفي المرأة حقها مهما قلنا. فالكتاب المقدس كثيرًا ما أظهر لنا أن للمرأة قيمة كبيرة جدًا. فالله استخدم نساء الكتاب المقدس في الكثير من المجالات فكان منهن قاضيات وملكات ونبيات وأمهات والخ، وأيضا لو تحدثت عن نساء شهيرات كيف كان تأثيرهن على المجتمع لن أوفي المرأة حقها لأن البعض سوف يعتقد أن التميّز هو فقط لبعض النساء. لكني سوف أتكلم ببعض الكلمات البسيطة عن بعض المواقف لنساء عاديات ليس لهن أية أدوار مميزة لأنني فعلا رأيت تأثيرهن ورأيت فكر الله في حياتهن.

لقد كنت في مكتب الداخلية في القدس من أجل أوراق المعاملات لزوجتي. وكانت هناك بنت صغيرة محجبة في أول العشرينيات جالسة عند موظفة الاستقبال، تتحاور معها عن أوراق معاملاتها. وهي توجه كلمات للموظفة وتقول” كيف تتوقعون مني أن أعرف كل هذه المتطلبات من دون أن تطلبوها مني”وقالت لها، سأحضر لك الورقة التي تطلبينها لكن لن أذهب من هنا حتى تكتبي لي بالتفصيل كل الأوراق التي أنا أحتاجها. وصدقا أقول كانت تتكلم بأدب كبير وبصوت منخفض، وبثقة عاليه جدًا، فقلت في قلبي أشكرك يا رب؛ لأنه ما زال في مجتمعنا فتيات أقوياء مثل هذه. وبعد قليل عندما كانت هذه الفتاة واقفه عند صفوف الانتظار رأت شخصاً لا يجيد العبرية ويحاول أن يتواصل مع الموظفة من غير جدوى، فتقدمت إليه بكل جرأة وقالت له هل تريد أن أساعدك؟ فسهلت عليه عملية التواصل وساعدته في ملء استمارة معينة.

وكنت أقول في فكري يا لها من شخصية قوية ومؤثرة، وشردت في ذهني وقلت حقا أتمنى لو أن بناتي يكنّ كمثل هذه الشخصية القوية ويكنّ فعّالات ومؤثرات في المجتمع. ففكرة مخلوقين على صورة الله تعني أن يشكل الله شخصياتنا الفكرية والاجتماعية والروحية بالطريقة التي صممها لنا. نحن مصممون ذكرًا وأنثى لكي نحقق غرض خلقنا الله من أجله. وحقا رأيت في هذه البنت المحجبة في هذا الموقف البسيط جزءاً من فكر الله.

وأيضا في نفس الأسبوع، أنا وموظفات الكنيسة قابلنا خمسة نساء في الخمسينيات من العمر. كنّ يقصصن علينا كيف أسسنَ هيئة نسائية لمساعدة الناس، وكيف كنّ على مر سنوات طويلة يدفعن من أموالهن حتى يذهبن إلى الملاجئ ودور الأيتام، لأن قلبهنّ مشغول في مساعدة هؤلاء الفئات. فكن يقدمن لهم الطعام والهدايا، وكلمات التشجيع. أليس هذا سبب تغيير لحياة هؤلاء الناس؟ أفليس هذا عمل يكرم الله؟ ألا يعتبر هذا تأثيراً إيجابياً في المجتمع؟ يا ليت كل مجتمعنا يتغير ويكون مستعداً أن يقف من أجل مساعدة الآخرين.

أعرف امرأة عندنا في الحي، تركها زوجها فكرست حياتها لخدمة أولادها. كنت أراها كل صباح تخرج إلى عملها باجتهاد لكي توفر لقمة العيش لأولادها الثلاثة. واليوم بعد مرور خمسة عشر سنة. تخرج أولادها الثلاثة وتزوجوا وهم ناجحون جدا في حياتهم وهي اليوم جدة مع أنها صغيرة في السن. بالحق دائما أعجبتني الطريقة التي ربت فيها أولادها وكنت أنظر إليها بكل تقدير وبكل احترام. أليس هذا تأثيراً إيجابياً على المجتمع؟ أليس هذا فكر الله؟

أخوتي وأخواتي، إن التاثير الإيجابي في المجتمع ليس في الأدوار القيادية فقط، فإن لكل دور تأثيراً إيجابياً على المجتمع، وعلى أي شيء استئمننا الله عليه. وكما أن للرجل دور فإن للمرأة دورمساوٍ له، وكما أن للرجل تأثير فإن للمرأة تأثير مساوٍ له. وإذا استمر مجتمعنا في أن يكون مجتمع مركز على الرجل فقط، فسوف يبقى المجتمع ضعيفا غير قادرعلى تنمية نفسه.

أحزن كثيرًا عندما أرى أن الرجال ما زالوا يفكرون أن للمرأة أدواراً محدودة فقط وهي غير مساوية للرجل في هذا المجتمع. وأحزن على الرجال الذين يعطون لزوجاتهم ولبناتهم صورة صغيرة ناقصة محدودة عن مقدراتهم. وعندما نفعل ذلك نساهم في صناعة مجتمع متحيز غير صحي.

ما هو دورنا كرجال ونساء

أقول للرجال: نعم أشارك معكم مخاوفي. فكيف أستطيع أن أطلق بناتي وزوجتي في مجتمع ينظر إلى المرأة نظرة دونية استغلالية؟ أو ينظر إليها على أنها خلقت لأهداف معينة فقط مثل الزواج والأولاد؟ أخوتي نعم هناك حواجز في المجتمع، لكن ينبغي أن نتعامل مع هذه الحواجز بطريقة منطقية وناضجة ونأخذ دورنا الصحيح. فاذا كنت قائدًا أو إذا كنت أبا أو أخاً أو صديقاً، تذكر بأننا كلنا مشاركين في صناعة فكر المجتمع، فإذا وضعنا بناتنا في قوالب محدودة حسب نظرة المجتمع لهن فهكذا سوف يكون مجتمعنا.

أحبائي اليوم أصبح دورنا أكبر ومسؤوليتنا أوسع، لأن العقم قد تفشى حتى وصل إلى العمق. لذلك أقول دعونا نفكر في طريقة أفضل. ونصوغ مجتمعاً أفضل، ونتعامل مع المرأة بشكل مختلف. أدعوك أخي القارئ أن تراجع فكرك وأن تنظر إلى المرأة فتتعامل معها من خلال فكر الله ولا تساهم في صناعة مجتمع متحيز.

إن دور المرأة في المجتمع لا يبرز بشكل فعال إلا إذا أزيلت كافة القيود. إن الزمن يتقدم إلى الامام ولا يرجع الى الوراء. فالذي توارثناه بشكل خاطئ عن آبائنا لا يجب أن يلزمنا نحن. فدور المرأة في المجتمع من أعظم الأدوار. وأتكلم من خلال عدة اختبارات شخصية أنه في بعض الأحيان دورها يفوق دور الرجل، نظراً لقدرتها على أداء بعض الأعمال بشكل أفضل من الرجل. وأنا لا أقصد فقط الأمومة والأمور المنزلية، لكن أتحدث عن القدرة على العمل الاجتماعي والهندسي والإداري والقيادي والروحي وكل دور آخر تماما مثل الرجل. أنا لا أستطيع أن أرى للمرأة دوراً أقل من دور الرجل، ولأنها هي أيضا مخلوقة على صورة الله فمن هنا سر تألقها، فمن حاول إطفاء هذا التألق وكبته فهو بحاجة إلى مراجعة جادة لأفكاره ومبادئه.

وأريد أن أقول للمرأة، سيدتي نعم هناك تحديات كبيرة في المجتمعات العربية تساهم في محدودية دوركنّ!، ولكن ليس هناك وقت لرثاء الذات، وليس هناك وقت لأن تنحصرن في مشاعر سلبيه، فإذا كنا نحن كرجال نحدّكم. فأنا اليوم كرجل دين أقول لكنّ، الله يراكنّ في عيون مختلفة. انفضن الغبار عنكنّ وقمن وانطلقنّ. وحققنّ قصد الله لحياتكنّ. فإن عليكنّ دوراً كبيراً في المجتمع، في مختلف الأعمال والمجالات الاجتماعية والسياسية والثقافية والروحية وفي البيت والتربية وفي كل دور مستطاع. خذنّ أدواركنّ في بناء وتطوير مجتمع غير متحيّز. فالمسؤولية لا تقع على الرجل فقط بل عليكنّ أيضًا. وبالحق أقول عندما تصمم امرأة ما على النجاح أرى أن النجاح يكون مذهلاً جدًا. لذلك تعلْنَ نبني مجتمعاً صحّيّاً ونتمم فكر الله لكلا الجنسين: الرجال والنساء.

صوت رجل- صوت القس مازن نصراوي من مجلة “آنية بيده”

مجلة من انتاج “خدمة آنية بيده” خدمة المشورة والإرشاد للمرأة، التابعة لكلية بين لحم للكتاب المقدس