حب في ظل الجدار

يواجه الفلسطينيون في الضفة الغربية الكثير من التحديات إذا ما تزوجوا من شخص من خارج الضفة الغربية. إذا كان الزوج عربي من سكان القدس الشرقية، أو مواطن إسرائيلي أو أجنبي، فهو أو هي سيواجهون قدرا كبيرا من التوتر في محاولتهم للعيش في فلسطين، ليس فقط بسبب التوترات السياسية، ولكن أيضا بسبب التعقيد القانوني وعدم اليقين حول الكثير من الأشياء.

يعتقد كثير من الناس أن المشكلة الفلسطينية/الإسرائيلية هي بين دولتين لديهما حقوق وسلطة متساوية. ولكن الواقع هو أن الضفة الغربية هي تحت احتلال عسكري. فإسرائيل (وليس فلسطين) التي لديها السيطرة الكاملة على من يُسمح له بالدخول والخروج من الضفة الغربية. وفي بيت لحم، مثل العديد من الأماكن الأخرى في فلسطين، هناك العديد من الأزواج الشجعان الذين يقاتلون من أجل الحصول على حياة حرة وكريمة.

يعرف السكان المحليين في الضفة الغربية أن العقبات التي تضعها إسرائيل، تُستخدم للتقليل من عدد السكان الفلسطينيين. فإذا كانت الحياة صعبة جدا بالنسبة للأجانب الذين يعيشون مع الفلسطينيين، كلاهما سوف يغادر – ولكن ليس هذا الثنائي الشجاع!

هذه مقابلة مع زوجة فلسطيني، وهو مواطن من بيت لحم وعضو هيئة تدريس في كلية بيت لحم للكتاب المقدس. صديقتي، والتي سأضطر لحجب اسمها لأسباب أمنية، هي امرأة جميلة، وذكية، من أصل إسباني، ويشرفني جدا بأن أدعوها صديقتي.

كان يا ما كان في لندن

كان حبا من النظرة الأولى عبر رف الكتب! اجتمع أبطالنا في المكتبة كطلاب دوليين في نفس الكلية المسيحية في لندن. وقعوا في الحب، وتزوجوا في عام 2015، وانتقلوا إلى فلسطين بعد بضعة أسابيع.

راعوث اللاتينية

عندما سألتها لماذا قرروا أن يعيشوا في فلسطين، بدلا من بلدها في أمريكا اللاتينية، قالت: “على الرغم من أن كلانا قد حصلنا على فرص للعمل في لندن، فقد شعرنا بأنها لم تكن دعوة الله لنا. لقد اعتاد زوجي أن يقول: ’ إذا تزوجتِ مني، فأنتِ تتزوجين من فلسطين‘. وهكذا تزوجت فلسطين معه”.

وبعيون مليئة بالدموع أضافت، “والدي يدعوني راعوث اللاتينية لأنني اتبعت خطاها عندما جاءت إلى بيت لحم. ووعدت نُعمي قائلة، “إلهك هو إلهي، وشعبك هو شعبي”.

الظروف 

هل كان من السهل أن تأتي إلى منطقة نزاع وبدء حياة جديدة؟ “بالطبع لا. كفلسطينية، أنا أعلم بشكل مباشر بأن النفوس القوية والشجاعة فقط هي التي تستحق فلسطين!”

“كنت أعرف أنها ستكون حياة صعبة بسبب الصراع في فلسطين، ولكن لم يكن لدي أي فكرة بأن القانون ظالم جدا هكذا. فالحكومة الفلسطينية تملك سلطة قليلة جدا. وفي حين أنهم يعترفون بزواجي من زوجي، فهم لم يستطيعوا أن يقوموا بأي شيء على الحدود. فإسرائيل تسيطر على دخولي وخروجي. إذ لديهم ذلك القانون الذي يجب فيه عليك، من أجل الحصول على تأشيرة سفر، أن تغادر البلاد مرة كل سنتين. لدي صديقة قيل لها في إحدى المرات من قبل ضابط في الحدود بأن تأشيرة السفر خاصتها لا تأذن لها بالعيش مع زوجها، وإنما فقط بزيارته! لم يسبق لي أن عشت في مجتمع لا تعرف فيه ما الذي سوف يحدث لك”.

على عكس الأجانب الذين يتزوجون من يهود إسرائيليين، لا يوجد هناك نقطة مرجعية قانونية متينة ليعود إليها أولئك الذين يتزوجون من فلسطينيي الضفة الغربية. على سبيل المثال، إذا تزوج يهودي إسرائيلي شخصا من بلد آخر، يُعطى الزوج على الفور امتيازات للعيش في القدس أو في أي مكان في إسرائيل. فلديهم قوانين تحميهم، ولديهم السبل المناسبة في المكان المناسب لتقديم طلب والحصول على المواطنة.

ولكن، لا يوجد شيء مماثل كتأشيرة سفر للزوج أو الزوجة الفلسطينيين في الضفة الغربية. إذ يتم التعرف على زوجات الفلسطينيين فقط من خلال تأشيرة سفر سائح، أو متطوع أو طالب، والتي يجب تجديدها باستمرار. في كل مرة يقدم الزوج أو الزوجة طلبا لتجديد تأشيرة السفر، يجب أن يدفعوا للحكومة الإسرائيلية مبلغ ثلاثمائة شيكل، على الرغم من أنهم لا يعرفون لكم من الوقت سوف تُمنح لهم. أحيانا تمنح لهم لمدة ثلاثة أو ستة أشهر، وأحيانا أخرى يمنحون سنة واحدة؛ وأحيانا عشرة أيام فقط. ما يجعل التخطيط لحياة معا في فلسطين أمرا صعبا للغاية.

الدخول والخروج من الحدود التي تسيطر عليها إسرائيل أيضا يترك الأزواج الأجانب تحت رحمة الجندي، أو ضابط حرس الحدود أو وكيل الجمارك الذي يواجهونه. لا يعرف الأزواج الأجانب أبدا ماذا يتوقعون، ولكن مثل جميع الفلسطينيين، يمكنهم فقط أن يصلوا لأن يكون لقاءهم مع مسؤول إسرائيلي ذو مزاج جيد.

بالإضافة إلى ذلك، يفرض القانون الإسرائيلي على أزواج الفلسطينيين عدم العمل في فلسطين. وأكثر الأحيان، هم ينحصرون في الضفة الغربية. ومع وجود استثناءات قليلة، فهم لا يُسمح لهم بدخول إسرائيل. كما لا يُسمح لهم بزيارة دول أخرى دون أن يفقدوا تأشيراتهم التي تعبوا من أجل الحصول عليها. عند إضافة هذه العوامل إلى التوترات التي يواجهها جميع الذين يعيشون هنا بالفعل، فمن السهل أن نرى لماذا يتخلى الكثير من هؤلاء الأزواج في نهاية المطاف عن فلسطين إلى مكان آخر. وعادة ما تكون الزوجة الأجنبية هي التي لا تستطيع تحمل الوضع الجديد لها كشخص من الدرجة الثانية.

وقالت: “عندما تتزوج أجنبية من فلسطيني، فهي لا تملك شيئا. إذ لا يوجد موقع الكتروني يمكنني أن أتفقده لأرى ما الذي أنا في حاجة إليه من أجل تقديم طلب للحصول على الإقامة أو الجنسية. ليس هناك فئة في العالم لزوجات الفلسطينيين.” كيف يمكن لأي شخص أن يقبل عن طيب خاطر هذا النوع من الحياة؟

لدى راعوثنا اللاتينية إجابتها الخاصة: “نحن بخير مع عدم اليقين لأننا نعيش بالإيمان وليس بالعيان. ولكن في حالتي، كان من الصعب علي بشكل خاص أن آتي هنا، لأنني كنت أعرف أنني إذا جئت، فقد لن أكون قادرة على مغادرة البلاد. وأنا أحب السفر، وقد اعتدت أن أسافر كثيرا”.

تحديات الثقافة الجديدة

حول التكيف مع ثقافة جديدة، علّقت قائلة: “ليس من السهل أن تتزوج فلسطينيا وتعيش هنا في ظل الاحتلال. كثيرا ما أفكر في كتاب بعنوان “الحب في زمن الكوليرا” لغابرييل غارسيا ماركيز. يمكن تسمية قصة حبي مع زوجي، ’ حب في ظل الجدار. ‘

هي لم تأخذ بعين الاعتبار القدوم مع زوجها. “ولكن حينها قال لي أبي: ’ حسنا، عليكِ أن تكونِ مثل يسوع في بيت لحم. فهو قد ترك كل امتيازاته في السماء، وجسّد نفسه كإنسان حقيقي‘. وقال لي أنني يجب أن أتبع يسوع بنفس الطريقة. إذا كان ذلك يعني فقدان امتيازات سفري حتى أستطيع أن أفعل ما فعله مخلصنا، فهذه هي أفضل وسيلة يمكنني فيها تجسيد يسوع “.

لهذا السبب، هي لم تسافر أبدا عبر مطار بن غوريون في تل أبيب. (حيث لا يُسمح للفلسطينيين السفر من بن غوريون، والذي يبعد فقط ساعة واحدة عن بيت لحم، ولكنهم ملزمين بالسفر عن طريق عمان، الأردن. ويمكن لهذا النوع من السفر الغير مريح والمكلف أن يستغرق يوما بأكمله حيث يتوجب عليك المرور عبر الحدود الفلسطينية/الإسرائيلية/الأردنية).

“قررنا أنا وزوجي بأن نسلك نفس الطريق معا، وبأن لا أذهب عن طريق إسرائيل. فليست هذه طريقة يسوع بأن آخذ المزيد من الامتيازات، وذلك ببساطة لأنني أجنبية”.

الرجاء وسط الصراع

وعلى الرغم من هذه التحديات، فهما ينويان تربية أولادهم في فلسطين: أرض الصراع التي لا تزال مفعمة بالأمل والحياة. هما يريدان لأبنائهم أن يكبروا في مكان حيث يكون لديهم وعي بالظلم والنضال.

“نحن لا نريد فقط أن نعيش حياة سهلة من أجل أطفالنا. فأنا أعتقد أنك تربّي إنسانا أفضل في الصراعات. الصراع هنا يجعلنا فقط أكثر تصميما على البقاء.”

“بالنسبة لنا، البقاء هو مقاومة. نحن لا نؤمن بالعنف؛ بل نؤمن بالمقاومة اللاعنيفة. وأعتقد بأن مجرد حقيقة بقائنا هنا، مهما حاولت إسرائيل أن تجعلها صعبة بالنسبة لنا، تجعلنا منتصرين! نحن سوف نلد أطفالنا هنا، وسوف نحيا حياة سعيدة هنا.”

“نحن نعتقد أن الله سيفتح طريقا. هناك شيء جميل جدا حول إبقاء السكان المسيحيين في بيت لحم ليس فقط على قيد الحياة، ولكن مزدهرين! أن تكون جزءا من ذلك هو شيء مهم جدا بالنسبة لنا”.