يلا يعقوب!

يلا يعقوب!

من اليسار إلى اليمين: محمد عساف، يعقوب شاهين، أمير دندن.

يلا يعقوب!

دخل الحشد الصاخب منطقة مركز مؤتمرات بُرك سليمان مبتسمين وصارخين ينتظرون. ففتى كشافنا المحلي، والذي أصبح الآن محبوب العرب، يعقوب شاهين، سوف يصعد إلى المسرح قريبا. لقد جاء الناس من جميع أنحاء فلسطين لرؤية شاهين المتوّج حديثا يقدم حفلة موسيقية مجانية في مسقط رأسه: بيت لحم، فلسطين.

وقفتُ وسط الحشد مستمعة وملاحظة الضحك، والصراخ ولقطات صور السيلفي. عرب أيدول، المماثل في طبيعته لبرنامج أمريكان أيدول في بلدي، يتبع نفس نظام التصويت والحكم. ويعد هذا البرنامج، الذي بدأ موسمه الرابع، من أكثر البرامج مشاهدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

سرق يعقوب شاهين، السرياني المسيحي البالغ من العمر 23 عاما من بيت لحم، قلوب أولئك المشاهدين، وأعلن الفائز في المسابقة في 25 فبراير 2017. على مستويات لا حصر لها، كانت هذه التجربة مثيرة لي كأجنبية تعيش في بيت لحم، إذ ملأني شعور بالفخر متأثرة بهذا الشعب الذي قد عرفته وأحببته في صموده وحسن ضيافته ولطفه.

في الأيام التي سبقت الحلقة النهائية، كنت أسير في شوارع بيت لحم فأجد الملصقات واللافتات وحتى الأعلام التي تحمل صورة يعقوب معلقة على سيارات الناس. كنت أتجول عبر الشارع بعد ظهر أحد الأيام عندما مرت إحدى السيارات تحمل ملصقا عملاقا على زجاجها الخلفي لشاهين والعدد 25 (رقم التصويت ليعقوب خلال وقت المسابقة). فصرخت، “يلا، يعقوب!” فابتسم السائق وأجاب “يلا شاهين! 25! ”

لقد لاحظت تعليقات أصدقائي على مدى الأسابيع القليلة القادمة، وبينما وقفنا هناك تحت الأضواء الساطعة من المسرح منتظرين شاهين، صرخ هؤلاء الذين معي: “إن هذه لحظة هامة جدا!” الوحدة. المسلمون والمسيحيون. فلسطين. إن فوز التراث الإيماني ذو الأقلية في الشرق الأوسط بالمنافسة في العالم العربي، ذو الأغلبية المسلمة، هو لشيء يلفت النظر. وعلّق صديق فلسطيني مسيحي لي قائلا: “هذا شيء ضخم بالنسبة للفلسطينيين المسيحيين والعرب المسيحيين. نحن لسنا ضحايا. نحن هنا، ننتمي هنا، وسوف نبقى هنا “.

كان آخرون من حولي يشعرون بالفخر بجنسيتهم الفلسطينية بغض النظر عن الدين. وفي هذا الجو بالتحديد، يبدو أنه لا يوجد فرق بين المسلم والمسيحي، بل التضامن – وحدة فلسطين. بعد فوز شاهين، قام كل من محمد عساف من غزة، الفائز بمحبوب العرب في عام 2013، وأمير دندن من الجليل، وهو مشارك فلسطيني آخر في النهائي، بالغناء مع شاهين. مسلمين اثنين ومسيحيّ متحدين بهويتهم كفلسطينيين يغنون “أنا دمي فلسطيني”، ليشاركوا مع العالم العربي والخارج الوحدة المولودة للهوية الوطنية بغض النظر عن الدين.

لقد بدأ شاهين، وهو شاب من بيئة متواضعة في بيت لحم، بتحقيق المزيد في مسقط رأسه وبلده ومنطقته مما كان يمكن حتى أن يتخيله قبل بضعة شهور. هذه المسابقة الغنائية ذات الشعبية الكبيرة تجسد أكثر بكثير من مجرد فائزين وخاسرين. فهناك الكثير مما يمكن أخذه من انتصار شاهين.

على الرغم من أن المجتمع المسيحي في الشرق الأوسط يعد صغيرا، إلا أنه ليس مُهمَلا. وبكل حياة وحيوية، يضع شاهين وجها لبقية العالم الذي يساهم ويلعب المسيحيون فيه من الشرق الأوسط دورا هاما فيما يحدث هنا. وعلاوة على ذلك، باعتباره فلسطينيا سريانيا، فهو يسلط الضوء على الهويات متعددة الطبقات والثراء الثقافي هنا في فلسطين. وينتصر فوز يعقوب أيضا على التصور الخاطئ بأن المسلمين والمسيحيين يتناقضون بشكل أساسي في المنطقة. وفي حين أن التوترات موجودة في كل مجتمع يقيم فيه أشخاص من مختلف الأديان، فإن ذلك ليس بسبب الدين فحسب، بل بسبب الطبيعة البشرية؛ والحد من الصراع في المنطقة إلى حرب الدين هو ببساطة غير صحيح. وفي انتصار شاهين، يبدو وكأن الدين لم يكن عاملا في الفوز أو فقدان الأصوات من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فتدل هذه اللحظة على انتصار كبير في عرض الوحدة وتنشيط فلسطين الفخورة والشرق الأوسط الكبير.

يُظهر انتصار شاهين بأكبر قدر ممكن بأن الفلسطينيين، بصرف النظر عن دينهم، يتعرضون لنفس نضالات الحياة اليومية ومقاومة احتلال وطنهم. فالمعاناة والفرح لا يفرّقان بين الأديان. وقد تم تجسيد ذلك على المسرح في تلك الليلة حيث أظهر المسلمون والمسيحيون، الفلسطينيون جميعا، أنهم أحياء وجيدون ومرنون ومتقدمون إلى الأمام.

تمتلئ عيوني بالدموع لمجموعة من الناس الذين يعانون في ظل سياسات غير عادلة، ومعاملة لا إنسانية، وحتى الاضطهاد من أولئك من نفس إيماني التقليدي. في لحظات مشابهة لهذه، أرى أن الفلسطينيون يجسّدون نعمة وقوة، التي يعرف هؤلاء الذين يعيشون تحت تدابير قمعية كيفية توظيفها. إذ يكشف حماسهم للحياة، مقترنا بتجاربهم التي يعانون منها، عن صمود أظن بأن العديد من الناس في موقعي لم يسبق لهم تجربته من قبل.

لا تكون الأمور أبدا تماما كما تبدو عليه كلما طالت فترة عيشي هنا. الفلسطينيون – أقوياء ومرنون ومضيافون ولطفاء – ربما تكون هذه واحدة من القصص العظيمة التي لم تُسرد عن هذه الأرض الصاخبة.