السريان: لا يزالون موجودين وبقوة

السريان: لا يزالون موجودين وبقوة

الموظفون والطلاب السريان في كلية بيت لحم للكتاب المقدس

السريان: لا يزالون موجودين وبقوة

كلية بيت لحم للكتاب المقدس معروفة بالتنوع. فالطلاب والموظفون والمتطوعون يأتون من خلفيات مختلفة، وطوائف مختلفة، وحتى جماعات عرقية مختلفة.

واحدة من المجموعات العرقية الصغيرة التي توجد بقوة في كلية بيت لحم للكتاب المقدس هي السريانية. فلدينا سبعة موظفين وثلاثة طلاب. وواحد منهم هو كاهن الكنيسة السريانية الأرثوذكسية في بيت لحم، الأب بطرس نعمة.

قمت بمقابلة الأب بطرس وسألته عن التاريخ السرياني والثقافة واللغة والإبادة الجماعية والهجرة والوجود السرياني في فلسطين.

الأب بطرس نعمة

من هم السريان؟

السريان هم الآراميون الذين يرتبطون بآرام، وهو الابن الخامس لسام، ابن نوح. عاش الآراميون في بلاد ما بين النهرين بالقرب من نهر الفرات، إذ كانوا مملكة أرامية وثنية، وتحولوا إلى المسيحية في القرنين الأول والثاني. بعد ذلك، تأسست الكنيسة الأنطاكية في أنطاكية من قبل الرسول بولس في عام 37 م. وبعد أن أصبحوا مسيحيين، أطلقوا على أنفسهم اسم السريان، امتدادا لسورية العظيمة في ذلك الوقت.

ما يميز السريان هي لغتهم. وقد كُتبت بعض الكتب في الكتاب المقدس باللغة الآرامية. وهذا يدل على الوجود الحقيقي للسريان في الشرق الأوسط، وخاصة في الأرض المقدسة. وقد تكلم يسوع الآرامية، والتي كانت العبرية المنطوقة في ذلك الوقت.

وقد كان السريان صلة بين الشرق والغرب من خلال ترجمة العديد من الكتب الآرامية واليونانية إلى العربية، وبالعكس.

الإبادة الجماعية السريانية

على مر العصور، كان هناك اضطهاد ضد المسيحيين السريان بسبب إيمانهم. إذ لم يكن للسريان دولتهم الخاصة لحمايتهم وحماية حقوقهم. بل كان لهم ممالك أرامية، ولكن بعد المسيحية، تلاشت هذه الممالك بعيدا.

فعلى سبيل المثال، كان لدى كل من الكاثوليك واليونانيين والأرمن ولاياتهم أو إمبراطورياتهم الخاصة التي حمتهم خلال أوقات الاضطهاد. ولكن، لم يكن للسريان هذا النوع من الكيانات لحمايتهم، مما أدى إلى عدم قدرتهم على درء الاضطهاد عند حدوثه.

كانت واحدة من أكبر المجازر التي وُثّقت في التاريخ تلك التي حدثت من قبل الإمبراطورية العثمانية، والتي بلغت ذروتها في عام 1915. والمعروفة أيضا باسم سيفو، وهي كلمة سريانية تعني “السيف”. وهذا يدل على السلاح الذي كان يستخدم في عملية القتل المنهجي العثماني للسريان.

وحيث لا توجد إحصاءات دقيقة عن العدد الإجمالي للضحايا، يقدر العلماء عدد الضحايا السريان بين 250,000 و500,000 شخصا.

لقد فقد السريان أراضيهم وأديارهم في تركيا. إذ كانت هذه المذابح سببا رئيسيا في تفريقهم حول العالم.

السريان في فلسطين

السريان في فلسطين هم من الجزء الجنوبي في تركيا. جاء أسلافهم هنا قبل حوالي مائة عام. ولكن، كان هناك سريان في الأرض قبل ذلك، ويوجد الدليل على ذلك في دير القديس مرقس في القدس. اكتشف علماء الآثار خزفا حجريا في هذه الكنيسة يعود للقرن السادس، والذي احتوى كتابة آرامية تفيد أن المكان كان بيت يوحنا الملقّب بمرقس، ابن مريم، حيث تناول يسوع وتلاميذه العشاء الأخير. وهذا يعني أن هذه الكنيسة تنتمي إلى السريان الآراميين.

في عام 1922، جاء المزيد من السريان إلى الأراضي المقدسة، وأنشأوا كنيسة سريانية صغيرة، بينما ما زالوا يأملون بالعودة إلى وطنهم. ومع علمهم بصعوبة العودة، قاموا بشراء الأرض، وأنشأوا عليها الكنيسة السريانية الحالية في عام 1926. وحتى اليوم، ما زال السريان يصلون في هذه الكنيسة ويعيشون في هذه الأرض كجزء منها.

في بيت لحم، يوجد حوالي 1,200 سرياني. كما يوجد هناك أيضا عدد قليل من السريان في القدس وأريحا والناصرة. وإجمالا، يصل عدد السريان في الأراضي المقدسة إلى 1,500 شخص.

ويعتبر السريان وجودهم في الأرض المقدسة نعمة لهم، على الرغم من أنهم لن ينسوا أبدا جذورهم وثقافتهم وتراثهم وأسلافهم الذين ضحوا بدمائهم من أجل إيمانهم. وهم فخورون بذلك. وهم أيضا فخورون بأنهم يتقاسمون نفس اللغة التي تكلم بها يسوع نفسه. وهي لغة أصيلة وجميلة وقديمة، والسريان هم حراس التراث القديم جدا، وهم يرون هذا نعمة.

كنيسة السريان الأرثوذكس في بيت لحم

إحياء اللغة

في عام 2003، أسس رئيس أساقفة الكنيسة الأرثوذكسية السريانية مدرسة في بيت جالا تدعى مدرسة سانت أفرام. وهم يدرّسون اللغة السريانية في هذه المدرسة للسريان وغير السريان. إذ يعلمونهم مبادئ اللغة، بما في ذلك الأبجدية والنحو وترانيم العبادة السريانية.

بالإضافة إلى العمل التقليدي للكنيسة ومجموعات الشباب، فهم يقومون بخطوة أخرى إلى الأمام بالتأكد من توفير دورات اللغة السريانية.

مدرسة مار أفرام في بيت جالا

العلم السرياني

وإضافة إلى كل ذلك، يتمثل الحب السرياني في عَلَمِهم، والذي يحتوي العديد من الرموز فيه. فعلى سبيل المثال، يرمز الأحمر إلى دم يسوع المسيح، ودماء الشهداء السريان الذين ماتوا بسبب إيمانهم. ويرمز الأصفر إلى الضوء. واللهب إلى الروح القدس. بينما ترمز النجوم الأربعة إلى الممالك الآرامية الأربعة.

الانتماء العرقي

لا يمكن للسريان الذين يعيشون في فلسطين أن يُنكروا العرق السرياني، فهو دمهم وتراثهم وثقافتهم. وعلاوة على ذلك، فهم لا ينكرون أنهم فلسطينيون. فقد عاشوا حياتهم كلها في فلسطين. هم يحبون ذلك، وهم ينتمون لها، لأنهم ولدوا وترعرعوا فيها.

أما بالنسبة لأراضيهم الأصلية في جنوب تركيا، وعلى الرغم من عدم وجود صلة فعلية مباشرة معها، فإن هذا الانتماء هو عاطفي أكثر من كونه مادي.

وهم لا يفصلون جنسيتهم الفلسطينية عن السريانية، أو العكس. وكلاهما يعمل جنبا إلى جنب كخط متوازي لا يُعبر أو ينفصل.

لا يزال السريان يحلمون بأن يكون لهم دولتهم، لأنهم لا يزالون يمتلكون الكثير من الممتلكات المفقودة مثل الأديرة والكنائس والمنازل في تركيا، والتي قد أُخذت من قبل الحكومة التركية والشعب. ولن يدافع أحد عن هذه الممتلكات ما لم تكن هناك دولة وحكومة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن وجود دولة يعزز وجود الشعب.

يعقوب شاهين الشاب الفلسطيني السرياني والفائز بلقب محبوب العرب لعام 2017، يرتدي الكوفية الفلسطينية والعلم السرياني

السريان في كلية بيت لحم للكتاب المقدس

وكما ذكرت من قبل، لدينا سبعة موظفين وثلاثة طلاب سريان. أريج هي مسؤولة التنمية في كلية بيت لحم للكتاب المقدس. كان جدها ما يزال طفلا عندما جاء إلى فلسطين. وهي أيضا لا تستطيع أن تفصل بين الهوية السريانية وهويتها الفلسطينية. فكلاهما له نفس الأهمية في حياتها، وكلاهما قد شكّل شخصيتها. كل من والديها هما سريان ويتحدثان الآرامية. هي لا ترى نفسها كعربية، ولكن ذلك لا يلغي هويتها الفلسطينية. فهي تؤمن بالقضية الفلسطينية، وتتحدث في مؤتمرات للسلام، وتدافع عن حقوق الفلسطينيين في أرضهم. وفي الوقت الحاضر، أصبحت أكثر اهتماما بالتاريخ السرياني، وهي تقوم بدراسته أكثر وأكثر.

ولدت رزان، وهي مساعدة العميد الأكاديمي في كلية بيت لحم للكتاب المقدس، في بيت لحم، حيث قد هرب جدها من تركيا وجاء إلى بيت لحم. وهي تقدم نفسها على أنها مسيحية سريانية فلسطينية عربية. وهي ترى فلسطين وطنها. والدها سرياني، لكن والدتها ليست كذلك. ويتكلم والدها ويقرأ ويكتب الآرامية، ولكن هي وأخوتها لا يتكلمون اللغة. وهي ترى الهوية السريانية، هوية مجروحة بلا وطن.

رزان إلى اليمين، وأريج. موظفات كلية بيت لحم للكتاب المقدس

كم هو لشرف أن نرى أنه وبعد مئة سنة على مغادرتهم، لا يزال السريان قائمين وبقوة، ويواصلون المحافظة على لغتهم وثقافتهم ووجودهم. وهم يحافظون على كل ذلك دون أن ينفصلوا عن الهوية الفلسطينية. هؤلاء شعب فخورون بماضيهم وتاريخهم، وهم يرون الألم والاضطهاد الذي واجهه أسلافهم كتاج شرف سوف يورثونه للأجيال القادمة.