كيف تساعدين أطفالكِ في حل الصراع

بقلم ماري حنانيا. أخصائية نفسية/ تخصص في مجال الأطفال، إرشاد للأهالي والطواقم التربوية.

أتذكرين شعورك عند سماعك عن أخبار الحرب؟ الذكريات والأفكار التي يصطحبها الخوف، الألم، الحزن والغضب؟ لهذه الأحاسيس المختلفة تأثيرًا كبيرًا على أفكارنا ومشاعرنا بحيث أنها تنسج الأحداث داخل ذاكرتنا لتجعلها جزءًا لا يمحى ولا يتجزأ من حياتنا.

ربما فقدت شخصًا عزيزًا أو أصيب قريبك بمكروه. كل المشاعر والأفكار التي من الممكن أن تنتابك هي شرعية ومفهومة، فمن غير المعقول أن تمري بتلك الأحداث من دون كل هذا الأسى والألم الذي يلتهم روحك وقلبك.

الحرب هي كلمة ثقيلة ومليئة بالمعاني السلبية، القاسية والمحبطة. من الصعب أن تفهمي ما يجري ولماذا، فتكونين في حالة من عدم المعرفة وعدم القدرة على التكهن بالمستقبل، ربما تتساءلين إن كانت ستمتد الحرب إلى مناطق أخرى؟ أو إن كانت ستؤثر على عملك بشكل أو بآخر؟ هذه الحالة تبني لدينا شعورًا من الضغط والانفعال والإثارة، يترك كل منا مع ردود فعل مختلفة: عاطفية (قلق، انقباض واكتئاب)، ذهنية (تفكير سلبي، قلة تركيز، بلبلة…)، جسدية (تسارع في نبضات القلب، سرعة تنفس، تصبب العرق، اصفرار البشرة، جفاف في الفم…)، وسلوكية (فعالية زائدة أو على العكس هدوء زائد).

ما يساعدك في التعامل مع حالة الضغط النفسي هو تمييز الأسلوب المناسب لكي من خلال تذكر ردود فعلك في أحداث سابقة مشابهة، أيمكنك أن تفكري ما الذي ساعدك في مثل تلك الحالات؟ كيف كان بإمكانك التأقلم مع الوضع الراهن؟ كيف يمكنك تطوير هذه الأساليب للتعامل مع أحداث مستقبلية؟ جميع هذه الأسئلة تتطلب منك تفكيرًا عميقًا مع نظرة إلى داخل النفس ومن الصعب الإجابة عنها بسهولة.

بحسب نموذج  ت.ج.م.ع  ش.ف.ا هنالك قنوات مختلفة نتمكن من خلالها مواجهة الأزمات وهي: تخيل (رحلة خيالية لمكان آخر, ترفيه, الإبداع بواسطة أي عمل فني: دراما, رسم ونحت), جسم (فعاليات جسمانية ,استرخاء “مساج” للإحساس المريح, أكل, شرب وعمل مشترك), مجموعة عقائد (عقيدة دينية ,الإيمان بمبادئ مختلفة, فهم, الآمال), شعور (التعبير عن المشاعر بطرق إبداعية أو بالكتابة), فكر (معلومات, بناء برنامج, فهم المصطلحات من الناحية المنطقية, ترتيب الأحداث, تقدير الخسائر وسلم أولويات) واجتماعي (العائلة,الأصحاب, الزملاء, المكوث مع الأقرباء وتوزيع مهام). هذا النموذج سيساعدك على تحديد القنوات التي تساعدك في مواجهة الأزمات، ما القناة التي تستخدمينها عادةً وكيف بإمكانك تطويرها أو استخدام قنوات غيرها.

الصراع، كلمة لا تفارق ذهنك، تسمعينها كثيرًا وربما تمرين بها يوميًا مع زوجك، أولادك، أمك، أباك وأشخاص آخرون. بالإضافة لصراعاتك الداخلية تواجهين أيضا الصراع الخارجي بين فئات المجتمع المختلفة، مما يجلب المشاعر والأفكار السلبية مثل الغضب، الخوف، الحزن والحقد. كل هذه المشاعر سوف تتسرب للمحيطين بك وخاصةً لأولادك إذا كنت أم. وتبدأ الأسئلة عن الحرب والصراع، فالأحداث الحالية تثير من حب فضولهم وأيضًا من مخاوفهم. نحن كأهل وأشخاص بالغين نعكس لهم الأحداث والمشاعر المختلفة، ولما نقوله أو نفعله أهمية كبيرة في بلورة مشاعرهم وتفكيرهم.

الوعي الذاتي للأساليب التي نستخدمها لتخفيف حدة الضغط كأشخاص بالغين يلعب دورًا هامًا في كيفية تأقلم أطفالنا واستقبالهم للأحداث الحالية. أحيانًا يكون من الصعب على أطفالنا أن يعبّروا عن مشاعرهم وبالذات السلبية منها، مما يمكن أن يؤدي لردود فعل غير مفهومة ناتجة عن الخوف لأنهم يترجمون مشاعرهم إلى تصرف وسلوك بطريقة لا واعية ومنها العنف، قلة النوم، الانطواء، والحركة الزائدة.

لمساعدتهم على مواجهة الأحداث الضاغطة مثل الصراع والحرب يجب أن نساعدهم على تطوير مهارة التعبير عن المشاعر التي تساعدهم على تفريغ الطاقة السلبية بطريقة صحية. من المهم أن نعلم بأن الخوف والضغط هما رد فعل طبيعي في هذه الحالة ولكل منا القدرة على مواجهة الأزمات، لذلك علينا أن نكون في علاقة جيدة وقريبة من أطفالنا ليشعروا بالأمان عندما يودون مشاركتنا بأمور صعبة وحساسة.

من الممكن إجراء محادثة بسيطة وواضحة والتي من خلالها نصغي لمشاعر أطفالنا، مخاوفهم، أفكارهم عن الحرب وتوقعاتهم. من المهم أن نصغي لكل ما يقولونه ونسألهم عنه لنبدي اهتمامنا ودعمنا لهم. علينا تقبل واحتواء مختلف المشاعر والأفكار وعدم الاستخفاف بها حتى لو كانت خيالية وغير معقولة. عليهم أن يشعروا بأن ما يروونه لنا هو أمر عادي وطبيعي بالنسبة للأحداث الحالية وأننا نحن ككبار تنتابنا مشاعر مشابهة، لذلك نحن نتفهمهم.

رغم كل الصعوبات من الممكن أن نستخلص أمور ايجابية بسيطة عن نقاط قوتنا التي ساعدتنا في مواجهة الحالة الضاغطة، مثل القدرة على الصبر، الإيمان القوي، إصغائنا للآخرين وما شابه. علينا بالمقابل أن نخبرهم بما يجري بطريقة تتناسب مع عمرهم وعدم محاولة إخفاء ما يجري لأنهم سيشعرون بذلك، والإخفاء سيمنعهم من مشاركتنا في مخاوفهم.

أحد قنوات مواجهة الأزمات التي ذكرتها مسبقًا هي قناة العقائد الدينية. نحن كمسيحيين نعتمد هذه القناة كثيرًا ومن خلال إيماننا وصلاتنا تتجدد قوتنا فتنمكن من الصمود رغم الألم والتعب النفسي والجسدي. قدوتنا بذلك هي ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الذي رغم كل الألم والصعاب كان دائمًا رجل صلاة واحتمل الكثير لأجلنا، وواجه أصعب الأمور بقوة إيمانه. ولنتذكر وعده بأن يمنحنا سلامه الذي يفوق كل عقل في وسط هذه الأحداث ورغم كل شيء.

ماري حنانيا. أخصائية نفسية