يوم بدون هاتفك: تواصل مع خليقة الله

بقلم محمد إسماعيل عايش خليل، طالب في قسم الأدلاء السياحيين.

أصبح الهاتف واقعا يوميا في حياتنا نلجأ إليه كمنزل لنعيش نوعا من المشاركة الاجتماعية المفقودة وبحثا عن ابتسامة ودودة عابرة للقارات، من ناحية اخرى، أشعر أحيانا ان هاتفي هو بوابة جحيم، من خلال اتصاله بشبكة الانترنت يطلعني على الرعب أولا بأول، أشاهد الحروب والقتلى وضحايا فيروس كورونا المستجد.

مع فرض الحجر الصحي وتوقف الأعمال، أصبحت أشعر بالعداوة تجاه هاتفي، فأصبح عدوي اللدود يسبب لي الصداع من كثرة الأخبار التشاؤمية، فألقيت به جانبا وقررت تحدي الحجر الصحي والهروب باتجاه الحرية، باتجاه الطبيعة التي تشكل المساحة الأكبر من مساحة قريتي تقوع، موطن النبي عاموس.

جلست على المنحدرات الخضراء للبرية أو ما تعرف أيضا ببرية القدس، أطلقت العنان لمخيلتي لتعود إلى الوراء ١٥٠٠ سنة، إلى القرن الخامس ميلادي حيث كانت برية القدس مركز الحياة الرهبانية في تلك الفترة الزمنية، فبدأت بتخيل القديس مار سابا الذي منذ صغره اختار حياة العزلة والرهبنة وترك حياة الرفاهية والملذات الدنيوية والشهوات الجسدية للاقتداء بالمسيح في كماله الروحي ونقاءه الجسدي. اتخيل القديس مار سابا يتجول في البرية ويلتقط الاعشاب والبذور لصنع مشروب ساخن من مخفوق القرفة والشومر بنكهة الفلفل، شرابه المفضل لتدفئة جسده الضعيف وتقويته خلال عزلته في كهوف برية القدس ذات الطبيعة القاسية والباردة.

لا أستطيع رؤية دير مار سابا من مكاني حاليا، فالكثير من التلال والأودية ذات الطبيعة الوعرة والعميقة تحجبه عن ناظري، ولكن لا زلت أتذكر معالمه العظيمة فقد زرته كثيرا من قبل، بقوة الإيمان وبمساعدة المئات من الرهبان الذين أقتدوا بالقديس الفقير الزاهد مار سابا، تم بناء هذا الدير العظيم الذي لا زال قائما حتى اليوم بالرغم من الزلازل والحروب في فلسطين.

يمكن رؤية البحر الميت وجبال مؤاب من برية القدس، لا شك أن القديس سابا قد وقف هنا وتأمل تلك الجبال محدثا نفسه قائلا من هناك بدأ الخلاص والتضحية مع روث المؤابية الجدة الكبرى للملك داؤود وصولا إلى المسيح.