كورونا … هل من عِبَر؟ بقلم د. جيهان تويمة نزال

كورونا … هل من عِبَر؟ بقلم د. جيهان تويمة نزال

كورونا … هل من عِبَر؟ بقلم د. جيهان تويمة نزال

في قديم الزمان… بل في زمان ليس بالقديم، كان للحياة شكل آخر، طعم آخر، لون آخر، إيقاع آخر…
وفي لمحة بصر، تغيّر العالم، تغيّرت ملامح الكون، إذ جاء هذا الفيروس اللعين العابر للقارات ليجبر الإنسان على التقوقع والعزلة شبه التامّة.
تغيّر الكون، وانقلبت الموازين؛ فالأماكن التي كانت تضجّ بالحياة، تحوّلت إلى مدن أشباح. وما كان مصدر فرح بالأمس، أضحى مصدر خوف ورعب.
فقد العالم نبضه وحركته، أما أمّنا الأرض فقد تنفّست الصعداء، خاصةً في بدايات انتشار الجائحة.
أصبح الإنسان مجبراً على تغيير طقوس حياته التي اعتاد عليها على مدار سنوات ليست بالقصيرة؛ بات يتنفس وهو يرتجف خوفاً من خطر قد يداهمه في أي لحظة فيحصد روحه أو أرواح من يحبّ.
جاء هذا الضيف ثقيل الظلّ ليقلب حياتنا رأساً على عقب؛ فصار أقصى همّ العديد من الناس أن يناموا  ويستيقظوا وهم على قيد الحياة، إذ أن الغد بوجود هذا الفيروس القاتل لم يعد مضموناً.
فيروس ضئيل ترك آثاراً ضخمة لم يكن وقعها سهل على حياة الناس وتفكيرهم وسلوكهم؛ فقد أصبح النظر إلى التباعد الاجتماعي كجزء من نهج واسع للحفاظ على الصحة العامة، كما قلّ حجم الصخب الذي كنّا نعيشه في حياتنا إذ وجد الجميع أنفسهم أمام واقع جديد؛ فمنهم من تعلّم إدارة الأزمات، و منهم من اضطر للتكيّف مع أنماط حياتية وسلوكية جديدة. وفي خضمّ هذه الفوضى العارمة التي نعيشها، تبرز العديد من التساؤلات:
هل ما زال باستطاعتنا أن ننظر إلى الجانب المشرق، إلى النصف الملآن من الكأس؟
هل ثمّة ضوء يسطع في نهاية النفق المظلم؟
هل هناك بصيص أمل يلوح في الأفق؟
في الحقيقة، وفي الوقت الذي ننظر فيه إلى الفيروس كنقمة، فلنتوقف قليلاً ونحاول أن نكون إيجابيين ولنركّز على الجانب المشرق، ولا أبالغ إذا قلت “النعم”، أجل النعم؛ فهل يمكننا أن ننكر أن الفيروس وحدّ العالم؟ فبحكم العولمة والتطوّر التكنولوجي الضخم أصبح البشر يشعرون أنهم يتشاركون معاً في مجابهة أزمة كبيرة بل ربما مصيراً مشتركاً.
هل بوسعنا أن نتجاهل الاكتشاف العظيم الذي بفضل الفيروس أتاح الفرصة للعالم لإنجاز العديد من الأمور والأعمال والمهام باستخدام منصّات الاجتماعات المرئية مثل ( زووم) وغيرها؟ هذا بالإضافة إلى تقنيات وبرمجيات العمل والدراسة عن بعد ودورها في إحداث تغيير جذري في أنماط الحياة والعمل والتواصل والتعليم؟
هل يمكننا أن نغضّ الطرف عن الآثار الإيجابية غير المسبوقة التي تركتها الغيبوبة التي أصابت الاقتصاد العالمي في خفض استخدام الوقود وبالتالي خفض تراكم ثاني أكسيد الكربون في الجو وغازات الاحتباس الحراري؟
هل نكذب على أنفسنا وننكر كم خفّفت هذه الأزمة من مظاهر البذخ الكاذبة والمناسبات الاجتماعية والمجاملات الزائفة التي كانت تشكّل حملاً ثقيلاً على كاهل العديد من الأسر والتي أفقدت المناسبات والأعياد جوهرها الأصيل ومعناها الحقيقي؟
هل نقلّل من أهمية ما فرضه هذا النمط الجديد من الحياة على سلوكياتنا وتصرفاتنا فأصبحنا نعتمد على أنفسنا وعلى جهودنا الفردية بدل الاعتماد على الآخرين في الكثير من الأمور ممّا حدّ من الاستهلاك غير الضروري وحوّلنا من أفراد مستهلكين إلى أفراد منتجين؟
هل باستطاعتنا أن نتجاهل أفكارنا ومشاعرنا إذ كنّا نتطلّع إلى العديد من النعم التي منّ الله بها علينا كمسلمات دون أن نقدّر قيمتها أو حتى دون أن ننتبه أو نمتن لوجودها، فلم نعرف قيمتها إلا بعد فقدانها؟
كلّنا يدرك أن لا شيء يبقى للأبد.. كورونا لن تدوم للأبد…
ومع ذلك أصبح العالم كالغريق الذي يتعلّق بقشّة، يبحث عن شتى الحلول، يبحث عن الملاذ الآمن .
ومؤخّراً، مع تزايد وتيرة الإصابة بهذا الفيروس اللعين والازدياد في حصيلة الأرواح التي بات يحصدها، لا بدّ أن نقف وقفة صادقة مع أنفسنا ونيقن أن الله وحده هو القادر على إنهاء هذه المأساة التي حلّت بالبشرية. الله وحده هو من يؤكّد لنا أنه بإمكاننا أن نتنفس الصعداء.
الله وحده هو من يملأ قلوبنا رجاء لندرك أن هذه الغيمة السوداء ستزول حتماً ، وأن الشمس ستشرق من جديد.
الله وحده هو من سيقود السفينة في خضّم هذا البحر الهائج فيهدّأ العاصفة ويوصلنا إلى شاطئ الأمان.
نحن كبشر لا نعلم ما هو المستقبل وكيف سيكون، ولكننا نعلم أن هذا المستقبل بأيدي أمينة ، بيد الله، فلما نخاف؟ّ!
هذه دعوة للعودة  إلى جوهر وجودنا… إلى الله، لنصغي إليه ونسمع صوته، ونتضرّع له بنفوس ملؤها اليقين، وقلوب تنبض بالإيمان بأنه لم ولا ولن يتركنا؛ فنحن أبناؤه، وهو يضعنا دوماً تحت ستر جناحيه وفي ظل حمايته وتحت عنايته الأبوية، كيف لا؟ وهو ملجأنا وحصننا.
فلنرمِ أحمالنا وأثقالنا عليه وهو حتماً سيريحنا؛ فهو من قال واعداً إيّانا:
” تعالوا إليّ يا جميع المتعبين وثقيلي الأحمال وأنا أريحكم.” ( متى 11: 28)