القبر المقدس

بقلم جورجيت لوصي، طالبة في قسم الأدلاء السياحيين.

“لِمَاذَا تَطْلُبْنَ الْحَيَّ بَيْنَ الأَمْوَاتِ؟ لَيْسَ هُوَ ههُنَا، لكِنَّهُ قَامَ!” في هذا الموقع المقدس بالتحديد، نعود بالزمن إلى الوراء إلى لحظة العظمة المطلقة والقداسة، لحظة تجلت فيها كل نبوءات الله في ابنه المتجسد. لم تكن هذه مجرد معجزة، بل كانت إتمامًا لكل كلمة من كلمات الله، حيث تم تسليم ابن الإنسان إلى أيدي الخطأة، وصلبه، وقيامته في اليوم الثالث كما هو مكتوب في الكتب المقدسة.

هنا أمام القبر المقدس، تحدث الملاك مع المريمتين، متسائلاً لماذا كانتا تبحثن عن الحي في قبر، معلنا لهن أنه قد قام. وبينما بحثن عنه ولم يجدنه في القبر اندهشن! عندما نفكر في القبر، تنتابنا مشاعر الحزن إذ نتذكر أحبائنا الذين ماتوا. لكن ليس هذا القبر! ليس قبر يسوع، فهو في الحقيقة الإله الحي الذي قام من أجل خلاصنا ليعطينا الحياة.

في كل عام خلال أسبوع الآلام، يعيش المسيحيون ذكرى خلاصهم من الخطيئة. القبر المقدس هو المكان الذي وُضع فيه ربنا لمدة ثلاثة أيام، وهو المكان الذي أظهر فيه قوته وسيادته على الموت بقيامته. لقد اعتمد خلاصنا بشكل أساسي على قيامته من الموت. أثبت يسوع أن كلماته هي الدليل المطلق على الحقيقة وعلى محبته لنا.

يقع قبر يسوع في كنيسة القيامة التي بناها الإمبراطور قسطنطين في القرن الرابع في موقع الجلجثة. وقد كان ذا ارتفاع صغير، حوالي خمسة أمتار، له هيكل صخري وشكل دائري، آخذا بذلك شكل جبل صغير. هنا أعدم الرومان المحكوم عليهم بالموت وهنا أيضا صُلب يسوع ثم دُفن في مكان قريب. حوالي 135 بعد الميلاد، حول الإمبراطور هادريان مدينة القدس إلى مستعمرة ايليا كابيتولينا، ذات البصمة والأسلوب اليوناني الروماني الواضح والمجهز بمعابد مخصصة للآلهة الوثنية، بهدف محو جميع الذكريات المسيحية من القدس. ومع تغير التصميم العمراني للمدينة، أصبحت حديقة الجلجثة مركزًا للمدينة، حيث نُصب تمثال الالهة فينوس وبالقرب من قبر المسيح بني معبد للإله جوبيتر، كما ورد في شهادة يوسيبيوس أسقف قيصرية في القرن الرابع. ففي تقاليدهم المحلية، تم الحفاظ على هذه الذكرى، حيث نقل المسيحيون الأوائل في مدينة القدس التقليد من جيل إلى آخر قائلين، “قبر يسوع موجود تحت المعبد الوثني”.

في عام 326، عندما حجت القديسة هيلانة، والدة الإمبراطور قسطنطين، في زيارة لها إلى القدس، وجدت بقايا الصليب المقدس في موقع القبر المقدس. وبعد الاستشارة مع الناس المحليين أزالت القديسة هيلانة الأتربة الضخمة التي غطت القبر من المعبد الذي بني في فترة هادريان، وهناك وجدت القبر الأصلي ليسوع. أقام ابنها، الإمبراطور قسطنطين، بناءً كبيرا بخمسة أروقة، وأيضا مبنى الأناستاسيوس (القيامة باليونانية)، والذي كان عبارة عن مبنى ذو مخطط مركزي دائري مع قبة فوق قبر يسوع. ومنذ ذلك الحين، شهد القبر المقدس العديد من التحولات المعمارية نتيجة مختلف الحضارات التي حكمت مدينة القدس.

القبر المقدس هو مكان الحب المطلق لله الذي أظهره لنا عندما قام يسوع من الموت. جمالها وقداستها وأهميتها ملموسة في كل زاوية وكل حجر وفي كل شمعة مضاءة. عندما تصل إلى داخل القبر، يمكنك أن تشعر به، خاصة عند الاحتفال بيوم السبت المقدس، عندما تأتي الطوائف المسيحية من جميع أنحاء العالم للاحتفال بقيامة الرب. ويعلن جميع المؤمنين إيمانهم، فيفرحون ويقولون: “المسيح قام! حقًا إنه قد قام!

من الأرض المقدسة، أرض السلام والحقيقة والخلاص، حيث تجسد نور الله، نعلن خلاصنا. ليقيم يسوع قلوبكم وأرواحكم فهو نور الحياة. اليوم، يدعونا يسوع إلى القيامة من قبورنا، ويدعونا إلى القيامة من حزننا واكتئابنا وخطايانا ومخاوفنا، هو يدعونا الى التغلب على الظلام، والعيش معه في محبته الغير موصوفة.

 

“أنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ،

بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ”

يوحنا 8: 12