أحبب قريبك

أحبب قريبك

أحبب قريبك

بقلم جون س. منير

محاضر ومنسق لمجلة الدراسات المسيحية الفلسطينية

 

“وَتُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ. هذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى. وَثَانِيَةٌ مِثْلُهَا هِيَ: ’تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ’. لَيْسَ وَصِيَّةٌ أُخْرَى أَعْظَمَ مِنْ هَاتَيْنِ” (مرقس 12: 30-31).

محبة القريب هي جانب أساسي من جوانب الإيمان المسيحي وهي قيمة جوهرية تشترك فيها العديد من المجتمعات حول العالم. ومع ذلك، ففي السياق المسيحي الفلسطيني، تكتسب هذه القيمة أهمية وتعقيدًا خاصين وذلك بسبب الوقائع السياسية والاجتماعية السائدة في المنطقة.

بالنسبة للمسيحيين الفلسطينيين، فإن محبة القريب تنطوي على أبعاد روحية وعملية. فعلى المستوى الروحي، هي تعني معاملة الآخرين باحترام ورحمة ولطف، كما علّم يسوع تلاميذه. وهذا يتطلب التزامًا عميقًا بالمغفرة، خاصة في مواجهة الظلم والعنف المستمرين. فالمسيحيون الفلسطينيون مدعوون إلى الاقتداء بيسوع الذي أحب أعدائه وصلّ من أجل من اضطهدوه. وبالنظر إلى التحديات اليومية التي يواجهونها في حياتهم، فإن هذه لمهمة صعبة، ولكنها أساسية لإيمانهم.

أما على المستوى العملي، فتعني محبة القريب العمل من أجل العدالة والسلام في داخل مجتمعاتهم وخارجها أيضا. وينشط المسيحيون الفلسطينيون في الحركات الشعبية التي تسعى إلى تحدي الاحتلال وتعزيز حقوق الإنسان لجميع الفلسطينيين. وهم يعملون مع المسلمين واليهود الذين يشاركونهم التزامهم باللاعنف ساعين لبناء جسور التفاهم والتعاون. ويتضمن هذا الانخراط في المناصرة والتعليم والعمل المباشر، وهو غالبًا ما يتطلب تعريض أنفسهم لمخاطر شخصية كبيرة.

إن تحديات محبة القريب في السياق الفلسطيني كبيرة. إذ يواجه المسيحيون الفلسطينيون أشكالًا متعددة من الاضطهاد، بما في ذلك الاحتلال الإسرائيلي المستمر، الذي أدى إلى تجريد ملايين الفلسطينيين من ممتلكاتهم وتشريدهم. ما قد نتج عنه إحساس عميق بالظلم والصدمة بين جميع أفراد المجتمع.

على الرغم من هذه التحديات، يظل المسيحيون الفلسطينيون ملتزمين بمحبة قريبهم والعمل من أجل العدالة والسلام. وهم يستمدون القوة من ايمانهم ومن صانعي السلام الآخرين حول العالم. كما أنهم يجددون رجائهم من خلال مرونة وإبداع مجتمعاتهم، التي وجدت طرقًا للبقاء والمقاومة على الرغم من الصعاب.

إن محبة قريبك ليست مجرد اقتراح، بل هي وصية قدمها يسوع نفسه، الذي عاش أيضًا في ظل احتلال أجنبي ونفاق ديني. لذلك، يجب علينا أيضًا أن نحب أقربائنا، سواء كانوا يهودًا أو مسلمين أو جزءًا من مجموعة عرقية أو دينية أخرى. وبالطبع، لا يعني هذا أن نسمح بحدوث الظلم لنا كفلسطينيين، ولكن يعني عدم سعينا للانتقام بل إيجاد طرق لمباركة جميع الناس على وجه الأرض.