المواطنة المسؤولة والانتخابات المحلية – الدكتور برنارد سابيلا
مارس 10, 2022الميلاد: شفاءً للإنسانية واستردادًا لكرامتها
ديسمبر 8, 2023تعاقبت على مر العصور حضارات وممالك عديدة، مثل: الفرعونية، والأشورية، والبابلية، والفارسية الخ… من الحضارات والممالك التي احتلت أراضي وبلدان العالم المعروف آنذاك. وسيطرت بقوة على قارات العالم المعروفة قديماً. لم يتغير قلب الإنسان في السيطرة والتحكم بالناس، وإذا به يتسابق حتى اليوم في السيطرة وبسط النفوذ. لم تختف الممالك، والحضارات في العصر الحديث، وفي يومنا هذا، فحتى لو أخذت لوناً جديدا وقالباً آخر، إلا أن جوهرها واحد، وطبيعتها واحدة. لكن من خلال البحث والتحري رأيت مملكة واحدة مؤثرة على جميع الأصعدة، في النفس، والروح، والتطبيق العملي الحياتي. ولم تختف كباقي الممالك وقائدها ما زال حياً وتأثيره باق حتى الآن.
نستطيع اليوم أن نتعرف ونبحث في أسرار وعمق الحضارات عن طريق العديد من المصادر المتاحة لنا، كوسائل التواصل الاجتماعي، والكتب، ومحرك البحث على الانترنت “جوجل” وغيرهم من مصادر المعلومات. ونتعرف ونحلل كل من هذه الحضارات، ومدى تأثيرها على الناس، والمجتمعات من ناحية الثقافة والتقاليد والفكر وغيرها من الأمور. ولا نستطيع أن ننكر أن كل حضارة أو مملكة، كان لها العديد من نقاط القوة والضعف. لقد كانت آمال الشعوب عظيمة في التغيير، ووجود قادة ومخلصين يخلصونهم من الطغيان ويرفعون من شأنهم، ويحترمون ويردون كرامتهم المسلوبة. لكن باءت بالفشل في كل مرة. لا شك أن الحضارات كان لها إنجازات عديدة على المستوى الفكري والثقافي، والمعماري أيضاً، فالكل يعرف أهمية وبراعة الطرق التي بنتها الإمبراطورية الرومانية، التي سهلت التنقل للجميع، والإنجازات المعمارية والفنية. فبنى الرومان الكثير من القلاع، والقصور، والجسور، والمعابد، والمدرجات الرومانية، واستخدموا الموسيقى والدراما والخ…، من الإنجازات ومن أهمية الحضارة التي سبقتها إذ شجع ومارس اليونانيين الثقافة والعلم والفلسفة. لكن كثيراً من هذه الحضارات كانت مخيبة للآمال، خاصة في الممارسات الخاطئة والمهينة لكرامة الإنسان. فمثلاً التمييز بين طبقات مجتمعات الحضارات. عكست وتعكس صورة ليست بالمثالية، فمثلاُ وجود الطبقات الارستقراطية، والوسطى، والفقراء، والعبيد أحدثت فجوة بين الإنسانية في عدم العدالة والمساواة.
جاء العديد من الأفراد القادة الذين قدسهم شعوبهم، بسبب القوة العظيمة في شن الحروب، والسيطرة وتوحيد القبائل مثل جنكيز خان العظيم وقبله قيصر روما والاسكندر المكدوني وغيرهم الكثير، لكنهم سرعان ما ذهبوا وانتهوا.
كان من نتائج هذه الحضارات المكاسب والمطامع، السبي وتجارة العبيد وسرقة الخيرات وتعدد الزيجات، والعنصرية، والقهر، والطمس، وفرض ثقافتها وتقاليدها على الشعوب المقهورة. وكان طموح قادتها يتمثل بسط النفوذ وإظهار القوة، واشباع الرغبات في التمجيد، والفخر، والاعتزاز بالأعمال، والبطولات التي قاموا بها.
” فابتدأ القادة الرومانيون يتذوقون طعم القوة فأخذوا يستخدمون جيوشهم ليس للفتوحات الخارجية فحسب بل لدعم قوتهم الداخلية أيضاً.”[1]
وبالإضافة يقال عن الاسكندر المكدوني في الطموح فيقول” لكن الامور تغيرت بمجيء فيليب المكدوني، الذي بدأ يحطم الحواجز التي تفصل بين المدن، ليكون من بلاد اليونان المتفرقة دولة واحدة. ثم تبعه ابنه الاسكندر فتخطى حدود اليونان، وفتح رقعة واسعة من العالم، ليحولها كلها إلى امبراطورية واسعة ضخمة، ولم يقتصر على الفتح والتوسع السياسي ولكنه اهتم بالأكثرية بنشر ثقافة قومه أي الثقافة الهلينية في كل البلاد التي افتتحها، نشرها في هيئة لغة وتفكير وعوائد، واختلطت هذه الثقافة بغيرها من الثقافات الأصلية في تلك الأمم.”[2]
لا نستطيع من خلال هذه السطور شمل ومعرفة كل المعلومات والتفاصيل، لكن نستطيع أن نجزم الأمور الرئيسية في هدف أي انسان في السيطرة والقوة.
لقد صرخ الإنسان منذ القديم، وما زال صراخ المقهورين موجوداً يسمعه الجميع، ويتجاهله الأكثرية. ما زال فقراء ومهمشين اليوم في حضارات العالم العربي، والصين، وأمريكا، والهند، وفلسطين يصرخون بالمساواة والعدالة والسلام، الذي تطلبه الإنسانية ويرفضه أبناء المعصية، قساة الرقاب والقلوب المتحجرة. ما زال التمييز يقهر شعوب العالم.
لا نستطيع أن نسرد أو نفهم حجم المآسي والصعوبات والأحداث التي أصابت الناس خلال حقب الاحتلالات والحضارات لكن نستطيع أن نفهم من خلال السياق العام لأي حضارة التأثير السلبي والإيجابي على حياة الناس ومن هي المملكة الصحيحة والعادلة المؤثرة على حياتنا. وبالمقابل نعطي الولاء ونبدي لها الخضوع والتكريس والاحترام. جمع بسبب الأنانية والمصالح.
يأتي المسيح وندرس عنه ونقارن به كل القادة الذين ولدهم التاريخ، ومجدتهم شعوبهم وذكرتهم كتبهم. جاء فقيراً بسيطاً مسالماً مرسلا رحمة وخلاصاً للجميع دون استثناء. لم يميز في تعامله مع أحد فخلص المرأة السامرية، ولمس الأبرص، كان يجول يصنع خيراً مع الجميع. لم يقتل أو يسبي، واليوم نرى تأثيره على قلوب الناس في التنمية والبناء والتخطيط وعمل المؤسساتي التي تخدم الإنسانية في شتى معظم المجالات. كان هدفه واضحاً وسامياً وكاملاً في المحبة والقصد، بخلاف مع نوايا وفكر القادة والملوك الآخرين. لم يحرق أو يقتل أو يعذب معارضيه كمعظم أباطرة وقادة الممالك الأخرى. تآمر الناس ضد الرب يسوع وحاولوا قتله، لكن لم يكن يقاوم بعكس الآخرين من الملوك الذين كانت جيوشهم وحرسهم يتناوبون على حمايتهم، ويقتلون كل من يجرأ على تهديدهم. لم يفتخر بنفسه عند صنعه للعجائب المشهود لها من كثيرين.
لم يسعى السيد المسيح لنشر أو ترويج ذاته. يقول فهيم عزيز:
” يسوع هو المركز الأول الأساسي للعهد الجديد. فحوله تدور كل الكتابات من أناجيل، وتاريخ، ورسائل وكتب أخرى. ومع ذلك يجب أن نقر أن يسوع نفسه لم يترك شيئاً مكتوباً، ولم يعثر إنسان ما على أية وثيقة أو وسيلة تكشف عن أية كتابات قام بها. لقد كان يعلم ويودع تعاليمه مجموعة من التلاميذ، أهلهم بكافة الطرق لحمل رسالته إلى العالم. اهتم بهم، وركز كل مجهوده في تكوينهم. وبهذا يتضح أن اهتمام يسوع الأول لم يكن الكتاب ولكن الرسول، لم تكن الوثيقة بل الإنسان.”[3]
تتجسد هذه المملكة في عملها الإنساني من خلال الأفراد أو الكنيسة جماعة المؤمنين. يقول رفيق خوري:
” إن تجسد الكنيسة هو وجه من أوجه سر المسيح المتجسد. فالكنيسة واقع إلهي وإنساني يعاش في نطاق الزمان والمكان بكل ما يرتبط بهما من حيثيات تاريخية، وجغرافية، واجتماعية، وحضارية. تنغرس الكنيسة في هذا الواقع البشري الملموس، لتأخذ منه ملامح وجهها المميز، وطابعها الخاص، وهذا ما ينعكس على شكل ممارستها لدعوتها ورسالتها الآن وهنا.” [4]
ويؤكد الأب رفيق عندما حدد السيد المسيح الأوجه المتعددة لعمله الخلاصي. شدد على الخدمة كطابع مميز لرسالته. فهو الملك الذي “أتى ليخدم ولا ليخدم”. لقد تجلت خدمة السيد المسيح الملوكية في أسمى صورها على الصليب حيث لم يكتف بتقديم ما عنده فحسب، بل ذاته وحياته أيضاً في سبيل من يحبهم. فقد جاء ليخدم ويفدي بنفسه جماعة الناس.”[5]
ودعا الرب يسوع أتباعه إلى السير وراءه، وفي خطاه في عمل الخير في شتى المجالات.
نعم لقد أخطأ المسيحيون في سياساتهم عبر العصور. في احتلالاتهم السياسية وسيطرة الحكومات. نعم أخطأت الكنيسة في سياساتها وطمعها وفسادها المذكور في كتب التاريخ والمعروف علناً للجميع. لم تكن هذه هي روح المسيح المخلص. فقلب الإنسان ضعيف محب للعالم وللملذات والشهرة، فكانوا عثرة لكثيرين من الأمم بسبب الخطية والتعدي. إن الكنيسة الحقيقية هي جماعة المؤمنين الذين يعيشون الحق وليسوا المنتمين لحزب معين، بل يتبعون أسلوب حياة كمخلصهم. فكل الأخطاء والممارسات الشريرة ليست من روح مملكة الحق السماوية، بل غريزة الإنسان المتعدية والعاصية المستغلة لكل شيء. نعم لقد وضح المسيح أسلوب الحياة، والطريقة الصحيحة السامية في العيش، ومحبة الرب والقريب.
إن المملكة الروحية السماوية الصحيحة هي التي تسعى من أجل الغير وليس لنفسها، وعلى حساب المستضعفين من البشر. هذا هو القائد المميز لغيره وليس لنفسه. هذا هو قصد الله منذ البدء في كسب الجميع إليه. هي مملكة شاملة للجميع وليس لجنس أو عرق معين. لا تميز بين مواطنيها وتحب الخير والعدل لكل الخليقة. هي ليست حزب أو دولة أو حكم على مساحة من الأراضي، بل أسلوب حياة بالفكر والقلب والتصرف تخدم الرب والإنسانية بعمق تعاليمها وسياقها المبني على محبة صادقة بين أفراد كل الخليقة بعضهم بعضا ومع خالقها.
وأنهي مقالي باقتباس “إن ملكوت الله هو حكم الله الديناميكي الذي اقتحم التاريخ الإنساني بوساطة يسوع مواجهاً الشر، ومقارعاً إياه، ومتغلباً عليه، وناشراً كمال الخير الشخصي والجماعي.”[6]
المصادر والمراجع
تيني، ميريل. مسح شامل للعهد الجديد. ترجمة: هاني خوري. بيروت: دار النشر المعمدانية، 1987.
ستوت، جون. المسيحية والقضايا المعاصرة. ترجمة: نجيب جرجور. مصر: دار الثقافة، 2007.
خوري، رفيق. سداسية أزمنة جديدة. القدس: مطبعة البطريركية اللاتينية، 2008.
عزيز، فهيم. المدخل إلى العهد الجديد. مصر: دار الثقافة، 1980.
[1] تيني، ميريل. مسح شامل للعهد الجديد.ص26
[2] عزيز، فهيم. المدخل إلى العهد الجديد.ص60
[3] عزيز، فهيم. المدخل إلى العهد الجديد. ص76
[4] خوري، رفيق. سداسية أزمنة جديدة.ص156
[5] خوري، رفيق. سداسية أزمنة جديدة.ص162
[6] ستوت، جون. المسيحية والقضايا المعاصرة.ص32-33