
متى ينتصر العدل على العدوان؟
ديسمبر 19, 2023
الاحتفال بعيد الميلاد في بيت لحم (هيثم دعيق)
ديسمبر 19, 2023لا تخافوا!
جون س. منير وصموئيل س. منير
إن استمرار الإبادة الجماعية في غزة، والتطهير العرقي في الضفة الغربية، والتهديد الذي يواجه جميع الفلسطينيين أينما كانوا، يسبب لنا جميعًا الشعور في الخوف. لربما تكون هذه أكثر فترة في حياتنا نشعر بها بالخوف من كلّ شيء، كأن الخوف يسيطر على جميع أنحاء جسدنا. نحن خائفون من القتل والتشريد والاعتقال والطرد، والأهم من ذلك، خائفون من أن يصيب أطفالنا وأحبائنا أيّ مكروه. الكثيرون منّا يفكّرون في مغادرة هذه الأرض، أو حتى قد بدؤوا بالإجراءات. شهدنا أيضًا ان الخوف يُسكت الكثير من الناس حول العالم، بما في ذلك القادة من المجتمع الإنجيلي الفلسطيني، المموّلين من المسيحيين الصهاينة حسب معرفة الكثيرين منّا. الان ومع اقتراب فترة عيد الميلاد، نسأل عن الأمور التي تُطلعنا عليها قصة ميلاد يسوع المسيح بما يتعلّق بالخوف.
كما حدث في قصة الميلاد، نحن أيضًا نعيش تحت الاحتلال، مع رئيس مذعور وفاسد، يسعى للبقاء في السلطة، ولا يتردد في ارتكاب المجازر بحق الأطفال. تتيح لنا تجربتنا الشخصية كفلسطينيين، في نواحٍ عديدة، قراءة قصة الميلاد والتعامل معها بطريقة جديدة ومختلفة. للأسف، إن قتل الأطفال بالآلاف على يد الإمبراطوريات ليس حقيقة غريبة بالنسبة لنا، ولذلك نريد التركيز على عنصر رئيسي واحد في قصة الميلاد، وهو الخوف.
وسط كل الشر الموجود في قصة الميلاد، فضلاً عن التعقيدات الشخصية، قال ملاك الله “لا تخف/تخافي” لأربع شخصيات مختلفة، وهم: زكريا، يوسف، مريم، والرعاة. رغم أن سياق كل شخصية مختلف، إلا أن هناك دروسًا يمكن تعلمها عن الخوف منهم جميعًا.
- حتى في أسوأ السياقات، عندما يبدو أنه لا يوجد أي أمل، فإن الله لا يزال حاضرًا، فهو يرى كل ما يحدث، ويتدخل بشكل فعال، حتى لو لم يكن ذلك واضحًا لعيننا البشرية. على سبيل المثال، في قصة الميلاد، رأى الاحتلال العسكري الشرير ومذبحة الأطفال، وحذّر العائلة المقدسة مسبقًا. انّ الله يعمل في أماكن وأوقات لا نتوقعها. أمّا في سياقنا اليوم، فإنّه يرى الإبادة الجماعية في غزة، ويرى الاشخاص الذين يعتقدون انّه لا يراهم ولا يأبه لهم. يرى الأطباء وهم ينقذون حياة الناس، والصحفيون وهم يخاطرون بحياتهم لنقل الأخبار، ويرى عائلات يتم القضاء عليها كليًّا بسبب قنابل الإمبراطورية. إن الله ليس صامتًا أو سلبيًا بشأن هذا الأمر، ولا داعي للخوف، لأنه يعمل دائمًا، حتى لو لم يكن الأمر واضحًا بالنسبة لنا.
- إن أحد العناصر الأساسية للخوف في قصة الميلاد هو الخوف من مجد الله الحاضر في إعلان الملائكة. إنه من المؤكد أن الكثير منا سيخافون من رؤية مثل هذه الملائكة ومجد الله. وهذا يذكرنا بطرق متعددة أن الله هو خالق الكون، وحُكمه أقوى وأعظم من أي إمبراطورية أو جيش. الهنا أعظم من أي قوة أميركية أو إسرائيلية على هذه الأرض، وهذا تذكير مخيف لنا جميعًا. وينبغي أن لا نخف من قوته كشعب مظلوم، فهو يستخدم قوته لتحرير نفوسنا وأجسادنا من كل ظلم واغتراب.
- “لا تخافوا”، ليست مجرد عبارة لتخفيف مشاعر الناس في قصة الميلاد، بل هي أيضًا وصية لمواصلة العمل والسير والجهاد في سبيل الإخلاص لله. إنها دعوة للمؤمنين أن يثقوا في خطة الله للخلاص والتحرر. صحيح أن الخوف لن يغادر عقولنا وأجسادنا بشكل تام أبدًا، خاصة وأنّ القنابل تنهمر فوق رؤوسنا، والبنادق موجهة نحونا، والناس يهددوننا بشتى الطرق. لذلك، يتوجّب علينا أن نفهم عبارة “لا تخافوا”، بأن الله يشجعنا ألّا نستسلم، بس أن نثبت به ونثق بعمله من أجل الخير والتحرر. إنها دعوة لكي لا نصمت او نكون سلبيين، بل أمناء لدعوتنا كمسيحيين فلسطينيين لنكون سفراء العدالة والمصالحة.
وفي نهاية المطاف، لن نتخلص من الخوف بشكل كامل، وشعبنا يتعرض للذبح والتطهير العرقي .لكننا مدعوون جميعًا في عيد الميلاد هذا للتفكير في هذه العبارة: “لا تخافوا”، بطريقة جديدة. طريقة من شأنها أن تعزز دعوتنا للبقاء في هذه الأرض، والعمل من أجل ملكوت الله حتى خلال هذه الظروف المروّعة التي نشهدها حاليًا. لا تخافوا!