الشر لغز وحقيقة
لماذا يكون الإنسان في موقف صعب مؤذ له نفسيا أو جسدياً؟ إن كان الله موجود وإله الخير لماذا يسمح بالشر؟ هذا التساؤل كان في الماضي وهو أيضاً في الحاضر وسيبقى في المستقبل. لماذا نرى اليوم كل هذا الشر وأنوعه من كوارث طبيعية، وتصرفات غير متزنة من انتهاك حقوق الإنسان، ونهب وأذية وانتهاك كرامة البشر. الشر هو الشر في الماضي وفي الحاضر لم يتغير شيء سوى الظروف والازمنة، لكن قوة الشر ولغزه ما زالت موجودة. ماذا قال المفكرين وكيف فسروا الشر؟ الشر له أوجه وأشكال كثيرة، وله مسببات كثيرة خاصة الانسان. سأتكلم عنها بالإضافة إلى بعض طرق محاربة الشر. ليس لدي كل الإجابات لكن آمل أن يكون مقالي هذا مرضٍ ولو بجزئية بسيطة لبعض التساؤلات. والمساعدة للوقوف ضد أوجه الشر.
ويعرف قاموس المنجد في اللغة العربية الشر”بأنه نقيض الخير، واسم جامع للرذائل والخطايا”.[1]
الخطية أي التعدي على إرادة الله ومعصيته وتعدي الإنسان على أخيه الإنسان. (يوحنا الأولى 3: 4).
هنالك تعاريف كثيرة للشر، لكن أفضلها: هو غياب الخير والنور، ووجود الإنسان في تحدي وفي حالة وقت صعب غير طبيعي، مؤذ له نفسيا جسديا ومعنويا. هجوم عاصفي سيئ على الإنسان وعلى نفسه ومحيطه لفترة زمنية معينة قد تكون وقتية أو طويلة الأمد. الشر ضد الخير فهو مؤذ ويسبب الخسارة والألم. [2]
الشر حالة تأخذ شكل معاناة كبيرة تؤثر على كل إنسان وجد على هذه الأرض. وتتفاوت قوة وحجم الشر من شخص لآخر ومن شعب إلى آخر بحسب الظروف والامكانيات الموجود فيها. لا حدود لحدوثه ولا زمن متوقع. قد يصيب الناس في أصعب أوقاتهم أو أفضلها غير مراع لأية ظروف أو أوقات. والشر ليس بالخطأ، بل نعزو اليه مختلف المذابح والمجازر الجماعية ونهب وسرقة وابادات وتعذيب وقتل واستمتاع لعمل هذه الأفعال للأخرين. يقودها تصرفات غير اخلاقية مع أسلوب لا مبالاة في إحداث الاذية للآخرين.
الشر موجود وقد يكون لغز، لكنه حقيقة موجودة نقبل بوجود هذا اللغز ولكن لا نقبل بالشر. إذ أن الكتاب المقدس يلزمنا بأن نقبل لغز وجود الشر ولا يلزمنا بقبول الشر فهذين أمرين مختلفين. فكلمة الله تعرفنا بوجود الشر وأنه لغز وقد نستصعب نحن كبشر في فهم وتفسير هذا المفهوم.[3]
2.1 الشر الأخلاقي الذي يظهر في القتل والجرائم المنظمة والتنكيل والتعذيب وفي التطهير العرقي والطمع والجهل والكبرياء والخ…. وهي وليدة الحرية التي يمنحها الله للكائنات التي خلقها الله على صورته. لكنها حرية مخلوقة وغير كاملة وعرضة للشر. [4]
2.2 اما الشر الطبيعي هو الألم الذي نجده في العالم، الذي يظهر في الحوادث التي تضرب البشرية من خلال الكوارث البيئية. من الزلازل والبراكين والاعاصير والامراض وأمواج تسونامي. الذي يُتهم فيها الله بأنه المسبب لهذه الكوارث في حين أن معظمها الإنسان سبب لها لأنه يعمل التجارب النووية والانشطارية والتجارب الهيدروجينية الاندماجية في أعماق البحار. والتلوث وارتفاع درجات الحرارة بسبب استنزاف وسوء إدارة موارد الأرض بدون رقابة وبشراهة. [5]
وهناك الشرور الدينية والأدبية والاجتماعية والطبيعية. الشر الديني أو الروحي هو نقيض البر فهو خطية. وهذا الشر كامن في قلب الانسان أي داخلي ولم يظهره للخارج. مثال الأفكار والرغبات والضمير الشرير. [6]
تفسير الشر
يمكن ربط الشر بالشيء المخيف او ذلك الوحش الكاسر أو هجوم شيطاني أو إنساني شرس. لكن الشر هو كل شيء يمس الإنسان بالسوء. هو ليس شيء أو كيان أو إله بل هو حالة حرمان وفقدان وغياب وفساد الشيء.” الشر هو قوة خارجة عن الإنسان وهو قوة غير قوة الله. تقف بوجه الله ولكن الرب ينتصر عليها. بل سبق وانتصر عليها منذ موته على الصليب وقيامته. طبعا ما زالت قوة الشر تضايقنا.” يستطيع الانسان أن يرفض الخير الذي يقدمه له الله لان هناك قوة تقف في وجه مخطط الله الفدائي، عندئذ يظهر واقع الشر أو الشرير. [7]
يتكلم لنا المهندس داني سمارنة في محاضرة له عن الشر والألم عن محاولات لتفسير الشر، فيقول: [8]
“إن فكرة وجود الشر هو معضلة أساسية للكثيرين من المفكرين والكتاب العالميين لأنها تتناقض مع وجود إله محب للخير. أمثال جون بأول سارتر وأنتوني فلو صاحب كتاب “لا يوجد إله” ومايكل روس وفريدريك نيتشيه وس. س لويس وغيرهم من الكثيرين الذين كتبوا أيضاً في موضوع الشر. قدم اللاهوتي توما الاكويني بحثا مستفيضاً عن الأسباب الرئيسية لرفض وجود الله” لسببين أساسيين هما:
فقد الكثير من الناس ايمانهم بسب الشر في العالم والتساؤل العام إن كان الله إله الخير فلماذا لا يتدخل؟ ولماذا يسمح بالشر؟
الأنانية شر. الشر موجود منذ القدم ولكن لكل إنسان الخيار في عمله أو تجنبه ومحاربته. وهنا يأتي المقياس لإنسانية وخير الفرد، عندما تسمح له الفرصة في تجنب ومحاربة الشر والخطأ والعمل على بناء جسور الخير في مختلف الأصعدة. بمعنى لدي الخيار في إعطاء أختي وأخي حقه في الميراث وأن تكون ثمرة هذا العطاء والتعاون هو لخير الجميع والمحبة بين أفراد العائلة. وعدم تفاقم الأمر ليحزن ويؤذي الكثير من أفراد العائلة والمقربين وكل من لهم شأن في ذلك. لقد سمعنا ونسمع قصصاً كثيرة وحقائق عديدة حول أحداث قتل وخصام بين أخوة وبين أصدقاء وعائلات وصلت الى القطيعة بسبب المطامع وحب المال. على مر العصور كانت أطماع دول لدول هي سبب الخراب والمعارك والخلافات التي أزهقت أرواحاً بريئة ودمرت حضارات.
قدمت مؤسسة أوكسفام الخيرية تقرير فيه بعض الاحصائيات عن العالم الذي يظهر فيه الفرق بين الغني والفقير. نصف ثروة هذا العالم يمتلكها 1% من سكان العالم. 23 شخص تقدر نسبة ثروتهم حوالي 50% من سكان العالم. خلال فترة كورونا زادت ثروة أغنى 10 أشخاص نصف تريليون دولار. وأن هذه الثروة تكفي لإطعام وعلاج وعمل فرق كبير في حياة الناس الى الأفضل[9]. إن تعاسة وفقر الكثيرين هي بسبب احتكار وسيطرة فئة صغيرة من الناس على الموارد الموجودة في العالم. وفي حال نظمت الأمور وتراجع وتاب الكثيرين عن أطماعهم وشراهتهم في الاخذ والسيطرة ستكفي جميع الناس احتياجاتهم الأساسية.
من خلال ملاحظاتنا جميعا وخبراتنا في معترك الحياة، نختبر الشر ويدخل في أشكال متنوعة نفسية جسدية وغير مرئية. قد ينكر كثير منا وجودها خاصة عندما تتعلق في وجودها بين البشر وخارجة من البشر. ونقول كل البشر هم للخير نعم صحيح لكن للأسف ينبض الشر من الكثيرين أيضاً وقد يكونوا هم ضحية هذا الشر وليس لديهم أي سيطرة عليه.
الله أعطى الإنسان العقل والفهم ليدرك ويحلل ويطور ويقود أيضاً. لكن ينحرف في كثير من المرات نحو المسار المظلم. أنا لا أقول ان الإنسان قد لا يخطئ نعم قد يخطئ، وهو غير معصوم عن الخطأ، لكن الاستمرارية وحبه للخطأ وعمل المعصية هو في غاية الخطورة عليه وعلى الآخرين. خاصة عندما يكون متعمد في الخطأ. فالجهل خطية يجب الوقوف ضده. وحب المعرفة والتقدم وطلب إرادة الله هي مفتاح النجاح والتقدم الروحي والحياتي.
عانت البشرية عبر العصور من الحروب والنزاعات والصدامات، التي أخذت أشكال التحام الجيوش بالسيوف والرماح وجميع الأدوات الحادة القاتلة، وتمزيق الجسد وانتهاك حرية الفرد. لا يستطيع أحد أن يتصور بشاعة الحروب إلا من تصيبه ويدخل فيها. والسؤال هنا: لماذا هذا الشر ومن أجل ماذا يقتل الإنسان وتزهق الروح؟ في حين أنه يستطيع الإنسان أن يأخذ مسار آخر في ترتيب الأمور، وعمل المباحثات وتسيير المصالح، بطريقة عملية صحية دون اللجوء إلى الحرب. لكن محبة الإنسان للحرب والدم كان الخيار الأسرع في أخذ القرار لعمله وشنه دون اكتراث. فمات عشرات الملايين فقط في الحربين العالميتين الأولى والثانية. ناهيك عن ملايين اللاجئين والذين فقدوا أحبة وفقدوا كل شيء. كل هذه الماسي ولم يتعلم البشر من فجاعة الحروب والدمار وإذا بهم اليوم بنفس الطريقة واختيارهم للحرب بدل السلم والتلذذ بها. لقد تميز اخر قرنين من الزمان لبشاعة الحروب وكثرتها. أصيب الناس أيضاً بالأمراض والاوبئة وتزامنت بتوقيت الحروب. وبدل من أن يكرس الإنسان وقته في علاج هذه الأمراض التي حصدت الملايين أيضاً. وإذا بحروب مميتة تزامنت مع الأوبئة. قد تكون هنالك أعذار للحرب وعملها نعم ولا، لأنه يوجد طرف لا يريد أن يتنازل ويحاور من أجل السلام والعطاء في سبيل الآخر. وهنا تتفاقم المشكلة ويكون الرادع هو الحرب التي تبقى نتائجها على الطرفين وخيمة وطويلة الأمد. على كافة الأصعدة نرى اختيار شخص أو دولة تذهب وراء الأذية بالرغم من توفر فرص لهم للتغيير وعمل الأمور بطريقة مختلفة عن الحرب.
4.1 من منظور الكتاب المقدس (هذه المكتبة الاكاديمية الفلسفية الواقعية اللاهوتية).
4.1.1العهد القديم
نستطيع أن نرى في هذه الشواهد قبل آلاف السنين لبعض أشكال الشر. وهي لنا اليوم معبرة وعبرة عما يحدث في كثير من القصص اليومية في واقعنا اليوم. وفي أحاديث وكتابات عبر التواصل الاجتماعي، والكتب والأحداث. وهي أيضاً مكرهة للرب، ملخصة في هذه الأعداد لكي تكون لنا رادعاً للجميع. وهي من اختيار البشر. وتعدي الإنسان على أخيه الإنسان.
12اَلرَّجُلُ اللَّئِيمُ، الرَّجُلُ الأَثِيمُ يَسْعَى بِاعْوِجَاجِ الْفَمِ. 13يَغْمِزُ بِعَيْنَيْهِ. يَقُولُ بِرِجْلِهِ. يُشِيرُ بِأَصَابِعِهِ. 14فِي قَلْبِهِ أَكَاذِيبُ. يَخْتَرِعُ الشَّرَّ فِي كُلِّ حِينٍ. يَزْرَعُ خُصُومَاتٍ. 15لأَجْلِ ذلِكَ بَغْتَةً تُفَاجِئُهُ بَلِيَّتُهُ. فِي لَحْظَةٍ يَنْكَسِرُ وَلاَ شِفَاءَ.
16هذِهِ السِّتَّةُ يُبْغِضُهَا الرَّبُّ، وَسَبْعَةٌ هِيَ مَكْرُهَةُ نَفْسِهِ: 17عُيُونٌ مُتَعَالِيَةٌ، لِسَانٌ كَاذِبٌ، أَيْدٍ سَافِكَةٌ دَمًا بَرِيئًا، 18قَلْبٌ يُنْشِئُ أَفْكَارًا رَدِيئَةً، أَرْجُلٌ سَرِيعَةُ الْجَرَيَانِ إِلَى السُّوءِ، 19شَاهِدُ زُورٍ يَفُوهُ بِالأَكَاذِيبِ، وَزَارِعُ خُصُومَاتٍ بَيْنَ إِخْوَةٍ. (سفر الامثال 6: 12-19).
4.1.2العهد الجديد
يعقوب
1مِنْ أَيْنَ الْحُرُوبُ وَالْخُصُومَاتُ بَيْنَكُمْ؟ أَلَيْسَتْ مِنْ هُنَا: مِنْ لَذَّاتِكُمُ الْمُحَارِبَةِ فِي أَعْضَائِكُمْ؟ 2تَشْتَهُونَ وَلَسْتُمْ تَمْتَلِكُونَ. تَقْتُلُونَ وَتَحْسِدُونَ وَلَسْتُمْ تَقْدِرُونَ أَنْ تَنَالُوا. تُخَاصِمُونَ وَتُحَارِبُونَ وَلَسْتُمْ تَمْتَلِكُونَ، لأَنَّكُمْ لاَ تَطْلُبُونَ. 3تَطْلُبُونَ وَلَسْتُمْ تَأْخُذُونَ، لأَنَّكُمْ تَطْلُبُونَ رَدِيًّا لِكَيْ تُنْفِقُوا فِي لَذَّاتِكُمْ. (رسالة يعقوب 4: 1-3)
13لاَ يَقُلْ أَحَدٌ إِذَا جُرِّبَ: «إِنِّي أُجَرَّبُ مِنْ قِبَلِ اللهِ»، لأَنَّ اللهَ غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ، وَهُوَ لاَ يُجَرِّبُ أَحَدًا. 14وَلكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُجَرَّبُ إِذَا انْجَذَبَ وَانْخَدَعَ مِنْ شَهْوَتِهِ. 15ثُمَّ الشَّهْوَةُ إِذَا حَبِلَتْ تَلِدُ خَطِيَّةً، وَالْخَطِيَّةُ إِذَا كَمَلَتْ تُنْتِجُ مَوْتًا. 16لاَ تَضِلُّوا يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ. (يعقوب 1: 13-16).
4.1.3 لخص السيد المسيح مشكلة كبير للإنسان حين قال: “أنظروا وتحفظوا من الطمع” (لوقا 12: 15). ويؤكد رسول وفيلسوف الأمم بولس الرسول فكر المسيح في الشاهد التالي:
10لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُورِ، الَّذِي إِذِ ابْتَغَاهُ قَوْمٌ ضَلُّوا عَنِ الإِيمَانِ، وَطَعَنُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَوْجَاعٍ كَثِيرَةٍ. (تيموثاوس الأولى 6:12). نستطيع أن نرى اليوم معظم المشاكل التي تحدث بين الأفراد وفي كافة المجتمع بشكل عام سببها طمع الإنسان وتعديه على أخيه الإنسان.
4.1.4إبليس
قد لا يؤمن الكثيرون بالقوة أو الأمور التي هي ما ورائيات، لكن هنالك قوة خفية منظورة في أحداثها سببها الملاك الذي تخلى عن الخير هو وأتباعه وتكبر واختار الطريق المظلم. أخذاً معه الكثيرين نحو الهلاك. مثال بأن الشيطان وراء الاخلاقيات في حين السماح له كما حدث مع يهوذا الإسخريوطي، إذ سمح للشيطان بالدخول الى قلبه وخيانة السيد المسيح والتلاميذ والتخطيط لأذيتهم.
صلى يسوع من أجل تلاميذه لأنه يعرف قوة ومحدودية الشيطان ومآربه تجاه الناس والاشياء. 15لَسْتُ أَسْأَلُ أَنْ تَأْخُذَهُمْ مِنَ الْعَالَمِ بَلْ أَنْ تَحْفَظَهُمْ مِنَ الشِّرِّيرِ (يوحنا 17: 15).
ويؤكد بطرس “ا صْحُوا وَاسْهَرُوا. لأَنَّ إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ”. (بطرس الأولى 5:8).
وأيضاً: 16حَامِلِينَ فَوْقَ الْكُلِّ تُرْسَ الإِيمَانِ، الَّذِي بِهِ تَقْدِرُونَ أَنْ تُطْفِئُوا جَمِيعَ سِهَامِ الشِّرِّيرِ الْمُلْتَهِبَةِ (أفسس 6:16).
إذن الشرير موجود وقادر أن يتحكم بالأفكار والناس ويهيج الخصومات. كثيرون يعرفون الحق لكن يختارون عبادة الشرير والسير وراءه.
أتفق مع كوستي بندي في تفسيره لقوى الشر إذ يقول: “إن التفاوت الشاسع بين هشاشة الإنسان وسرعة عطبه من جهة، وبين قدرته المرعبة على التدمير من جهة أخرى، لمؤشر يستدل منه إلى وجود قوة تفرق الإنسان تمده بطاقة تدميرية تتجاوز حدود قدراته التلقائية. أي بفعل قدرة شريرة خارقة تدفعه في سبيل الهلاك هذا”. [10]
يقول القس عزت شاكر في كتابه من المسؤول عن الشر والألم؟ بأن أحد أسباب الشر هي الحرية غير المسؤولة. إذ خلق الله الإنسان على صورته حراً معززاً مكرماً في الحقوق والواجبات. ومع الأسف كثيراً ما يسيء الإنسان استخدام هذه الحرية وهذا التكريم سواء عن جهل أو عن غير جهل. فيتسبب في الكثير من الكوارث والمصائب التي تؤذي نفسه والاخرين.[11]
التقاعس في أداء الواجبات على المستوى الفردي والجماعي والدولي يؤدي الى خلل في تطبيق المهام والمسؤوليات والواجبات الإنسانية والوطنية التي تساعد في ازدهار وتنظيم الحياة اليومية. إذ أن غياب هذه المنظومة من سن قوانين وتطبيقها، وكسل المواطنين واللامبالاة يؤدي الى خلل في سير عجلة التنمية المجتمعية وعلى كافة الصعد. الجهل هو العدو الأول للإنسان. وعدم وجود المعرفة وآليات البحث السليمة، وكيفية إدارة الأمور من حوله، يؤد به إلى اتخاذ قرارات خاطئة تؤذ نفسه ومن حوله، وتصل إلى الحلقات الأبعد. بدءً من الأمور الاجتماعية وصولاً إلى الأمور السياسية وحتى مصير شعوب. مثال أعطيه: فتاوي ومفاهيم خاطئة في الكثير من الديانات التي دمرت الكثير من الحضارات وأذت شعوب كثيرة.
التعامل مع البيئة يعتبر مثلاً واقعياً. فعدم الوعي لأهمية البيئة في كافة جوانبها يؤدي الى تلوث البيئي الذي يؤذي صحة الإنسان. فما نراه في البلدان من تلوث وورمي النفايات وعشوائية الأمور ورش المبيدات بدون رقابة واتزان وعن دراسة يؤدي الى الأمراض ومنها القاتلة للإنسان ثم نلوم الله.
عالمنا هو نظام ثابت ودقيق جداً وضعه مهندس الكون الأعظم. ومن يكسر هذا النظام سواء كان فرداً أو أمة فعليه تحمل كل النتائج.[12]
ليست الزلازل والبراكين والأعاصير سببها البيئة فقط، بل سببها سوء استخدام الإنسان لموارده الطبيعية. فارتفاع درجات الحرارة وتغيير المناخ وتدمير الغابات وتدمير البيئة يؤدي الى حدوث مثل هذه الكوارث وبالتالي الى اذية الجنس البشري.
نحن نعيش في عالم غير كامل ومعرض للخطأ والكوارث التي تعصف بالبشر لكن السؤال هنا هل الكوارث الطبيعية هي فقط من صنع الطبيعة الأم؟ جزء كبير من الكوارث الطبيعية سببها سوء استخدام الانسان للموارد الطبيعية التي امنها الله له منذ البداية. وعندما يكسر نواميس الله فعليه أن يتحمل عواقب أعماله. والله يسمح للألم لتنبيه الإنسان ليفحص طريقه وللضيقات للمؤمنين لبركتهم الروحية فهي للتأديب وليس للعقاب. (عبرانيين 12 :6-11). بل تُعده للمجد [13].( رومية 8: 38-39).
تقرير مكتوب ومصور صادر للمكتب الأوروبي لبرنامج الأمم المتحدة للأغذية. [14]أن نسبة عالية من السكان يعانون من نقص التغذية في جزيرة مدغشقر. رابع أكبر جزيرة في العالم والتي تقع في المحيط الهندي قبالة الساحل الشرقي لأفريقيا ومعروفة بثرائها الطبيعي ووجود حيوانات ونباتات نادرة بها. لكن للأسف بسبب التغيرات المناخية من موجات الجفاف والأعاصير والفيضانات ساعد في تفاقم المشكلة وازدياد الفقر حتى موت الكثيرين. إذاً على الدول الصناعية الكبرى مسؤولية أخلاقية في التدخل والمساعدة في حل هذه المشكلة.
تقوية العلاقة مع الله وطلب وجهه كل يوم إذ يقول السيد المسيح: “صلوا لكي لا تتدخلوا في تجربة”.
دراسة كلمة الله لما فيها من منفعة وتذكير لنا في الظروف الصعبة. كثير من الآيات والموافق وقصص الكتاب المقدس تعالج تساؤلات عن هذا الموضوع. إذ ينهى في الكتاب المقدس عن عمل الشر: “لا تعملوا شراً”(2كورنثوس 13:7). بل امتحنوا كل شيء وتمسكوا بالحسن، وتجنبوا كل شر”(1تسالونيكي 5 :21-22). وهنالك تحريض على الصبر والثبات في المحن.” اثمروا في كل عمل صالح” (كورنثوس 1: 10). ” لا تملوا من عمل الخير” (2تسلونيكي 3: 13). لا تعطوا إبليس مكاناً” (أفسس 4: 27). “بل اغلب الشر بالخير” (رومية 12: 21). كل الكتاب المقدس ملخص بمحبة الله والمحبة الأخوية.
دراسة حياة ويسوع وتعاليمه والتعمق فيها وفي شخص المسيح. والإجابة على السؤال لماذا أتبع المسيح؟ ما هو الشيء المميز في المسيح؟
بولس الرسول
11وَأَمَّا أَنْتَ يَا إِنْسَانَ اللهِ فَاهْرُبْ مِنْ هذَا، وَاتْبَعِ الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَالإِيمَانَ وَالْمَحَبَّةَ وَالصَّبْرَ وَالْوَدَاعَةَ. 12جَاهِدْ جِهَادَ الإِيمَانِ الْحَسَنَ، وَأَمْسِكْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي إِلَيْهَا دُعِيتَ أَيْضًا، وَاعْتَرَفْتَ الاعْتِرَافَ الْحَسَنَ أَمَامَ شُهُودٍ كَثِيرِينَ. (تيموثاوس الأولى 6: 11-12)
المعرفة
يجب أن ندرك جيداً “بأن المسيح هو وسيط العهد الجديد، هو خير الله باركنا الله في المسيح منذ الآن وإلى الأبد. نحن متأكدون بالإيمان من كل الخيرات الآتية”[15]. (عبرانيين 9:1). الله كلي الصلاح وليس مصدر الشر. ويقف معنا ضد الشر، ويريد الأفضل لنا على هذه الأرض وفي الحياة الأبدية.
ممارسة الخير
“لا يدل الخير فقط على ما يجيء مباشرة من الله. فحين يقدم الله لنا خيراته، يجعلنا مشاركين للخير الذي فيه. أي يجعلنا قادرين على عمل الخير. ونشارك ونتمثل من الله في عمل الخير”[16].
لدى الإنسان مسؤولية بأن يميز ما هو خير وما هو شر وهذا ليس بالأمر السهل وهذا الخيار مرتبط بخبرة الإنسان ولا يكفي بأن نحسن الاختيار بل لا بد أن نلتزم بالخير ضد الشر[17]. لدينا مسؤولية بتحويل الشر والممارسات الخاطئة الى خير ومنفعة الجميع، عن طريق الأعمال والنشاطات الصالحة وبناء الآخر. دور الكنيسة هو مثال في فلسطين في بناء المدارس والمستشفيات وبيوت الرعاية وغيرها من المؤسسات الخدماتية، التي حولت حياة كثيرين من الناس من حالة فقدان، وخسارة وجهل الى حياة ورعاية أفضل.
التوبة والتغيير والرجوع إلى الله. يجب التقييم على المستوى الفردي والجماعي والمؤسساتي وعلى جميع الأصعدة والعمل على التغيير وإصلاح الخطأ.
الثقة في الله
قصة أيوب البار والصادق الذي شهد له الله في أمانته إذ قال: 8فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «هَلْ جَعَلْتَ قَلْبَكَ عَلَى عَبْدِي أَيُّوبَ؟ لأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلُهُ فِي الأَرْضِ. رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ، يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ». (أيوب 1: 8). مع ذلك فقد هوجم اشد هجوم. وتذكر في العديد من الديانات والمناسبات قصة هذا الشخص قبل آلاف السنين. تعود لنا من جديد لتساعدنا وتشجعنا وتأكد لنا بالرغم من قسوة المشهد أن الله لم يترك أيوب وكان يتابعه رغم أنين ووجعه. ونستطيع أن نقرأ حجم المصيبة التي ألمت بأيوب تفوق الوصف والادراك. ونرى كلمات قلب أيوب تقول رغم كل الحوارات الصعبة والمعايرات والآلام والانقلابات عليه والخذلان وجميع أشكل الرفض والاحتقار له من قبل الجميع لكن قال: “أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ وَلِيِّي حَيٌّ، وَالآخِرَ عَلَى الأَرْضِ يَقُومُ، 26وَبَعْدَ أَنْ يُفْنَى جِلْدِي هذَا، وَبِدُونِ جَسَدِي أَرَى اللهَ. 27الَّذِي أَرَاهُ أَنَا لِنَفْسِي، وَعَيْنَايَ تَنْظُرَانِ وَلَيْسَ آخَرُ. إِلَى ذلِكَ تَتُوقُ كُلْيَتَايَ فِي جَوْفِي”. (أيوب 19: 25-26).
1فَأَجَابَ أَيُّوبُ الرَّبَّ فَقَالَ: 2«قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ، وَلاَ يَعْسُرُ عَلَيْكَ أَمْرٌ. (أيوب 42: 1-6). كان يدرك تماماً بأن الله يسير معه جنباً إلى جنب في ظل هذه الازمة المعقدة وكان الرد من الله لأيوب:
“وَرَفَعَ الرَّبُّ وَجْهَ أَيُّوبَ. 10وَرَدَّ الرَّبُّ سَبْيَ أَيُّوبَ لَمَّا صَلَّى لأَجْلِ أَصْحَابِهِ، وَزَادَ الرَّبُّ عَلَى كُلِّ مَا كَانَ لأَيُّوبَ ضِعْفًا. 11فَجَاءَ إِلَيْهِ كُلُّ إِخْوَتِهِ وَكُلُّ أَخَوَاتِهِ وَكُلُّ مَعَارِفِهِ مِنْ قَبْلُ، وَأَكَلُوا مَعَهُ خُبْزًا فِي بَيْتِهِ، وَرَثَوْا لَهُ وَعَزَّوْهُ عَنْ كُلِّ الشَّرِّ الَّذِي جَلَبَهُ الرَّبُّ عَلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ كُلٌّ مِنْهُمْ قَسِيطَةً وَاحِدَةً، وَكُلُّ وَاحِدٍ قُرْطًا مِنْ ذَهَبٍ. 12وَبَارَكَ الرَّبُّ آخِرَةَ أَيُّوبَ أَكْثَرَ مِنْ أُولاَهُ. وَكَانَ لَهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفًا مِنَ الْغَنَمِ، وَسِتَّةُ آلاَفٍ مِنَ الإِبِلِ، وَأَلْفُ فَدَّانٍ مِنَ الْبَقَرِ، وَأَلْفُ أَتَانٍ. 13وَكَانَ لَهُ سَبْعَةُ بَنِينَ وَثَلاَثُ بَنَاتٍ. 14وَسَمَّى اسْمَ الأُولَى يَمِيمَةَ، وَاسْمَ الثَّانِيَةِ قَصِيعَةَ، وَاسْمَ الثَّالِثَةِ قَرْنَ هَفُّوكَ. 15وَلَمْ تُوجَدْ نِسَاءٌ جَمِيلاَتٌ كَبَنَاتِ أَيُّوبَ فِي كُلِّ الأَرْضِ، وَأَعْطَاهُنَّ أَبُوهُنَّ مِيرَاثًا بَيْنَ إِخْوَتِهِنَّ. 16وَعَاشَ أَيُّوبُ بَعْدَ هذَا مِئَةً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَرَأَى بَنِيهِ وَبَنِي بَنِيهِ إِلَى أَرْبَعَةِ أَجْيَال. 17ثُمَّ مَاتَ أَيُّوبُ شَيْخًا وَشَبْعَانَ الأَيَّامِ”. (أيوب 42: 10-17).
كان أيوب واثقاً ومتأملاً بالله وسط آلامه. لقد وثق أيوب بالله وباركه وعوض عنه ما خسر.
لم يعّد الرب بسهولة الحياة، لكنه وعد بأنه مع الجميع الى انقضاء الأيام. فنعمل ونتلمذ وننجح ونثابر من أجل رسالة الخلاص لمنفعتنا ومنفعة غيرنا كأنفسنا. الشر موجود لكن كلمة وقصد الله تكون الأخيرة. إن محبة المسيح وتضحياته من أجل البشرية تربك قوة الشر وترفع من شأن البشرية في الخير. ويؤكد الكتاب المقدس أنه رغم الظواهر، والمحن العابرة سوف ينتصر الخير على الشر. الله فوق التمييز بين الخير والشر هو صلاح مطلق. دعوة لنثق بخطة وقصد الله في جميع الأوقات والظروف والأماكن.
المراجع المستخدمة
ـــــــــــ. المنجد في اللغة والاعلام. لبنان: دار المشرق، ط39، 2003.
ــــــــــــ. دائرة المعارف الكتابية، القاهرة: دار الثقافة، 1992.
أكسفام، مكاسب 10 أغنياء منذ تفشي الوباء تكفي لشراء اللقاء لجميع سكان العالم. 2021. تقرير عن أثرياء منذ تفشي الوباء على BBC
https://www.bbc.com/arabic/world-55799663
بندلي، كوستي. الله والشر والمصير. منشورات النور، 1993.
رايت، كريستوفر. الإله الذي لا أفهمه. ترجمة هدى بهيج. القاهرة: دار الثقافة،2011.
الفغالي، بولس. المحيط الجامع في الكتاب المقدس والشرق القديم. لبنان: جمعية الكتاب المقدس ودار النشر البولسية، ط1، 2003.
سمارنة، داني. الشر والألم. ج1.المحاضرة الخامسة، مؤتمر الدفاعيات/ ثبت خطواتي،2020. موجودة على الرابط التالي:
https://www.youtube.com/watch?v=XwCwU5Ht0Ig&t=2052s
شاكر، عزت. من المسؤول عن الشر والألم؟. القاهرة: دار الثقافة، 2001.
جنيف-وكالة الأنباء الكويتية(كونا)، 24/10/ 2021. موجود على الرابط التالي:
https://www.kuna.net.kw/ArticleDetails.aspx?id=2270291&language=ar
[1] المنجد في اللغة العربية، 379
[2] دار الثقافة مصر. دائرة المعارف الكتابية. 511
[3] كريستوفر، رايت. الاله الذي لا افهمه، 33
[4] كوستي، بندي. الله والشر والمصير، 24
[5] كريستوفر رايت، الاله الذي لا أفهمه، ص34
[6] مرجع سابق. دائرة المعارف الكتابية. 511
[7] بولس، الفغالي. المحيط الجامع في الكتاب المقدس والشرق القديم، 521
[8] سمارنة، داني. “الشر والألم”، موجودة على الربط التالي:
https://www.youtube.com/watch?v=XwCwU5Ht0Ig&t=2052s
[9] موجودة على الرابط التالي دراسة من أوكسفام، منشورة بتاريخ 25 كانون ثاني 2021 ،
https://www.bbc.com/arabic/world-55799663
[10] مرجع سابق.الله والشر والمصير. 42
[11]. عزت، شاكر. من المؤول عن الشر والألم، 41
[12] المرجع نفسه، 50
[13] مرجع سابق، دائرة المعارف الكتابية،511
جنيف- وكالة الانباء الكويتية(كونا) 24/10/ 2021[14]
بولس الفغالي. المحيط الجامع في الكتاب المقدس والشرق القديم،521[15]
[16] المرجع نفسه 522
[17] المرجع نفسه. بولس الفغالي، المحيط الجامع في الكتاب المقدس والشرق القديم، 521